لقاء مع قارئ

الصفحة الاخيرة 2018/11/10
...

محمد غازي الاخرس
رائعٌ أنْ يلتقي كاتبٌ بأحد قرائه في الشارع، شيء رائع يصعب وصفه من قبل الكاتب كما يصعب من قبل القارئ. لم أجرّب ذلك شخصياً كقارئ ولو سألت عن اسم وددت في حياتي أنْ ألتقيه لحرت لأنَّ هناك عدداً لا بأس به منهم. لكن دعوا هذا وتأملوا؛ هوذا داعيكم يتواعد مع شاب من قرائه ويذهب إلى الموعد ثم يرى كلٌ منهما صاحبه ويتأمله طويلاً. هو شاب بعمر ابني، جد خجول ومن النوع الحالم الهادئ، الذي يعد بالكثير من أول نظرة تلقيها عليه. التقينا عند موقف الكيّات جوار جامع الفردوس بحي أور، هو من أبناء منطقة الكيّارة وأنا من حي أور وأفضل ملتقى لنا هو نقطة الوصل الرائعة هذه، موقف الكيات الذي كان في أيام مضت موقف كوسترات. لا عليكم وتعالوا إلى الفتى النحيل الأسمر، الحميمي المبتسم، الذي يخبئ ذكاءً نادراً وطموحاً وعناداً للظروف. كان جاء وهو يحمل لي هدية أثمن من كل هدايا الدنيا، كتاب عن فولكلور مصر لرائد التراث الشعبي أحمد رشدي صالح، ومعه بضعة أعداد منتقاة من مجلة “التراث الشعبي”، وكتيب للراحل الكبير لطفي الخوري. راسلني قبلها عبر الفيسبوك وقال ما معناه أنه “غصّ” علي بكتاب رشدي أحمد صالح لمعرفته باهتمامي الكبير بتراث بلاد الكنانة وعملي على كتاب أقارن فيه فولكلور مصر بقرينه العراقي، ثمّ عرض أن يحمل الكتاب لي. تشكرته فتشجع وعرض أن يحمل معه أعداد التراث الشعبي وكتاب الخوري. ثم جاء خجلاً وكأنه على موعد مع حبيبة وليس مجرد كاتب يقرأ
 له.
لقاءٌ غريبٌ، مرّت خلاله لحظات احمرّ وجهي فيها من فرط رقّة كلام صاحبي. كان يردد - أنت أستاذي وفتحت عقلي على عوالم لم أكنْ أعرفها. وكنت أنا أحاول مجاراة دفق مشاعره بصعوبة بالغة. في أثناء ذلك، عرفت أنه قاص ولديه مجموعة قصصية ينوي طبعها. سألته عن دراسته ففوجئت أنه ترك الفرنسية في السنة الثالثة لأنَّ تكاليف الدراسة أرهقت عائلته وعجز هو عن التكفّل بها. يا إلهي، فماذا تعمل الآن؟ أجاب: في سوق مريدي.
حدثني عن همومه وشعوره بانسداد أفقه، حدثني عن مدينته التي يحبها ويخاف منها، وحلّق معي بأحلام كبيرة يودّ تحقيقها وقصص يريد أن يكتبها. هل كان ذلك اللقاء الأخير به؟ كلا، فاليوم، باغتني أيضا وهو في شارع المتنبي بصورة غلاف كتاب عن النيل في تراث المصريين، ثم كتب أنه اشتراه لي لشعوره أنه ينفعني في اشتغالاتي. قلت له ـ معقولة! فأجاب ـ أنت أستاذي.
إنه حيدر سالم، احفظوا اسمه جيداً، حيدر سالم الذي يخبئ أحلاماً كبيرة تتكئ على خزانة من حكايات المكاريد الذين هو منهم.