الأثر الإيجابي لقيم المصالحة

العراق 2019/09/03
...

أحمد الجاسم
 
من غير الصحيح تصور ان المصالحة في المجتمعات الخارجة من دوامة العنف مطلب سلبي او هامشي، فبدون ترسيخ مفهوم المصالحة وارساء مبدأ التسامح من الصعب التعويل على امكانية تحقيق السلم المجتمعي في مجتمع متنوع الاتجاهات والأثنيات، اذ ان عملية تقبل الاخر المختلف فكريا وعقائديا وقوميا تكمن في تخلي كل طرف عن شيء مما يراه حقا شرعيا له. 
ولعل من اولى دعائم مفهوم المصالحة هو قدرة الاطراف المختلفة على تجاوز السلبيات وتجفيف منابع اسبابها والعبور نحو ضفة جديدة من التعامل الايجابي المتفهم والمتسامح لكل ما من شأنه ان يثير الأحقاد والضغائن بين فئات المجتمع.  
ان مجتمعا تترسخ فيه مفاهيم العنف، والحقد والضغينة وتتجدد بواعثها كلما احتاجت الى ذلك المصالح الفئوية او السياسية لا يمكن ان يكون مجتمعا مستقرا ومنتجا لمستقبل زاخر بالوعي والامن والرفاهية.
 ان اول عوامل بناء المجتمعات المتطورة هو تحرير العقول من ترسبات الانتقام والثأر واللجوء الى العنف كوسيلة لحل النزاعات، وترسيخ مبدأ الاعتماد على القانون في تحقيق العدالة كلما لاحت بوادر نزاع يخل بأمن وسلامة المجتمع وافراده على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم، ولعلنا نرى ان البعض كثيرا ما يشكل على فكرة المصالحة والتسامح، ويرى فيها غبنا لطرف وانتصارا لطرف آخر، ولكن الامر وان بدا كذلك بيد انه خلاف للواقع، إذ ان فكرة الدعوة للمصالحة والتعايش السلمي في المجتمعات ليس المقصود منها ان تقوم بين شخصين او عشرة اشخاص او حتى مئة من الاشخاص فمثل نزاعات كهذه يكون تأثيرها في السلم المجتمعي محدودا وقد يكون منتجها السلبي اكثر من منتجها الايجابي او اقوى اثرا، بينما الدعوة الى المصالحة والتسامح الحقيقي عادة تتم في القضايا ذات التأثير الواسع في عملية السلم المجتمعي واشتراطاتها، اي انها تكون بين اطراف ذات تأثير واضح وكبير سواء من حيث الحجم السكاني او من حيث التأثير المكاني، بحيث يكون منتجها الايجابي اقوى اثرا من منتجها السلبي، ان الدعوة للمصالحة والتعايش السلمي في بلدنا ليست محصورة بفترة معينة او فئة معينة وانما يجب ان تبنى على اساس تجاوز سلبيات الماضي  في كل فتراته دون الاضرار بمفاهيم العدالة وقيمها الثابتة.
ومن الواضح ان المصالحة تتطلب نوعا من التضحية والتراضي وفق مبدأ تحديد الحقوق وليس التغاضي عنها. ومعالجة كل النتائج السلبية المترتبة على النزاعات والمظلوميات التي حدثت في الماضي. لكي يكون بالإمكان تحديد نقطة انطلاق جديدة نحو مستقبل قائم على السلم والامن المجتمعي وسيادة القانون. 
لقد اكدت معظم الحركات الاصلاحية سواء تلك المرتكزة على فلسفة الانسان للحياة وتغيراتها، او تلك المرتكزة على  القيم والمبادئ السماوية ضرورة ارساء قيم العفو والسلام والتسامح، لما في ذلك من اثر في وحدة المجتمع واستقراره وضمان مستقبله.