محرم الحرام

الباب المفتوح 2019/09/03
...

نجم الشيخ داغر
 
يقول الله تعالى في سورة التوبة (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ  فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ ...). يبين الله تبارك وتعالى في الآية الآنفة، انه اختص اربعة من الشهور بأن جعلهن (حرماً)، أي انه عظم حرمتهن ومنع فيهن القتال والاعتداء، لذلك قال فلا تظلموا فيهن انفسكم بالمعصية وارتكاب المآثم، وهن ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب. والأمر المهم ان الشريعة الخاتمة لم تبتدع هذه الصفة وتخلعها على الاشهر المذكورة، انما حفظت لها حرمتها وشددت عليها، اذ كان العرب حتى وهم في غمرة الجاهلية يلتزمون بوقف الاقتتال فيهن، لذا عسى ان يوقف الفاسدين فسادهم وسرقاتهم وتكالبهم على الدنيا، ويتشبهوا على اقل تقدير بأهل عصر الجاهلية الاولى. ما جعلني افتتح الكلام عن هذه الاشهر، هو دخولنا في شهر محرم الحرام، هذا الشهر الذي احتضن نهضة الامام الحسين(ع) المباركة، واستشهاده المأساوي على ايدي زمرة لم يحفظوا حرمة النفس التي قرنها رسول الله بنفسه حينما قال (حسين مني وأنا من حسين)، ولا حرمة الشهر الذي التزم بعدم القتال فيه حتى من وصفوا بالجاهليين. 
والآن ونحن في خضم الاستعدادات لاحياء ذكرى استشهاد الامام الحسين(ع) كما نفعل في كل عام، هل وصلنا لمرحلة من الوعي يجعلنا نحفظ حرمة هذه الدماء الطاهرة ونصونها من المتاجرة بها لاستدرار الجاه والقبول، أو خداع بعض العاطفيين السذج ؟، وهل سألنا أنفسنا هل نحن بمنأى عن الاسباب التي دفعت هذه العصابة المجرمة الى قتال الامام الحسين (ع) في الشهر الحرام ؟. 
ان كان الجواب (نعم) نحن بمنأى عن ذلك، لأننا اكثر ايماناً بالله ورسوله وقيم الحسين من تلك الزمرة الكافرة، نقول اذن لماذا لا نرى الحسين وخلقه السامي في تعاملاتنا، ولا نرى اثراً لشعاره الاصلاحي في مؤسساتنا التي تعج بالفساد والفاسدين ؟. الحقيقة اننا ما دمنا لا نرى ذلك ولم يتحقق على ارض الواقع، فإننا قد نكون مصابين بنفس المرض الذي كان يغشى الامة الاسلامية حين قتل الامام ابي عبد الله (ع)، المتمثل بالشلل النفسي وعدم القدرة على تغيير الذات او الظروف المحيطة، لتمكن المعاصي وحب الدنيا من القلوب، لذا قال القائل يا ابا عبد الله لقد تركت الناس قلوبهم معك وسيوفهم عليك، وهذه والله هي الطامة الكبرى، اذ قد نكون سيوفاً مشرعة لمحاربة قيم الامام الحسين (ع) بالرغم من بكائنا عليه، لأننا رضينا بالفاسدين وصنعنا للبعض قداسة مزيفة جعلتنا مثل حمار الطاحونة
 (يدور ولا يبرح). 
من هنا ليسأل كل نفسه، كم طبقنا في انفسنا واهلينا من قيم ابي الاحرار (ع) ؟، وهل نحن فعلاً نقيم هذه المواكب التي تعد بالآلاف أحياء لذكره، ام تفخيماً لذواتنا ؟، ولماذا بعد كل هذه السنوات من الاحياء، نلاحظ ان الطقوس تتسع وتتسع، فيما القيم التي حارب من اجلها، تتقلص الى حد كبير وخطير؟.