رحل الذي لم يقل سيدي !

ثقافة 2019/09/03
...

د. حسين القاصد
 
حين يظهر هذا المقال ستكون هناك جلسة تأبينية للأمين العام لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق  ، الشاعر إبراهيم الخياط رحمه الله ؛ حيث وافاه الأجل بحادث سير ؛ ولأني وقت ظهور هذا المقال وجلسة التأبين سأكون خارج البلاد، فلابد من استذكار مواقف فقيد الادب والثقافة .
عمل ابراهيم الخياط في وزارة الثقافة أيام كان الأستاذ مفيد الجزائري وزيرا للثقافة ، وكان الخياط ناطقا رسميا للوزارة ، وما ان انتهت فترة استيزار السيد الجزائري حتى تولى الوزارة رجل بعيد عن الثقافة والأدب والفكر ؛ حيث كان نوري الراوي ابعد ما يكون عن الثقافة والمثقفين ، فصار له أن يصدر إعماماً إلى كل موظفي الوزارة بأن يخاطبوه بكلمة ( سيدي) فاستشعر الخياط مرارة هذه الكلمة وهوان المثقف حين ينطقها مأمورا لا بإرادته ، كأن تكون من بين مجاملات الخطاب .
لم تمر سوى ايام معدودات حتى انتفض الشاعر الراحل ابراهيم الخياط وقدم استقالته من وظيفته ومنصبه المرموق ، وهي الاستقالة التي تحمل صرخة ( لا) مدوية ضد عسكرة الثقافة واستعباد المثقفين .
عاد ابراهيم الخياط إلى اتحاده العريق ، وصار ناطقا رسميا له ، ثم خاض الانتخابات ففاز ليجمع بين الناطقية والشؤون الإدارية والمالية ، قبل أن يستقر به الحال أمينا عاما لاتحاد الادباء في الدورة السابقة ، ليصر الأدباء على تجديد الثقة بأمينهم ، ليشغل مجددا منصب الأمين العام لاتحاد
 الأدباء .
 كان الخياط رحمه الله رجلا من ابتسامة ، وكان متواصلا مع جميع الأدباء من أقصى العراق إلى اقصاه ، ويبدو أنه كان يريد أن يموت شهيدا لرسالة التواصل والمحبة ، حين وافته المنية وهو في رحلة تواصل ادبية .
الغريب في الأمر أن كلمة ( سيدي)  صارت ملازمة له وصار يقولها  لجميع الادباء وصار جميع الأدباء يشاكسونه بكلمة ( سيدي) .
وبعد : فإني لم أر سريعا لكنه لا يغادرك  بسهولة غير العطر ، ولم أر ثمينا  مهدورا  ومراقا  غير الماء .. ولا أغلى  من ذلك الذي يجعلك  تتدفق بشرا  دون أن تثمنّه الا حين تختنق أعني الهواء  ..  ولا أرفع من الكذب فهو رصيد المعتوهين المتسلطين  .. واني لم أجد دنيئة  وضيعة كالحياة تضحك للنفايات وتحتفل بها .. ولم أرَ ذواقاً كالموت  .. انه ينتقي بحرية مطلقة ويأخذ من يشاء دون عائق أو مانع . 
ذلك هو ابراهيم الخياط الشاعر والانسان والصديق للجميع ، له الرحمة والمغفرة والخلود في قلوب محبيه . ستبقى ابتسامته شاخصة مفقودة ، شاخصة بطعم الحسرة على فقدانها وفقدانه . فإلى رحمة الله يا رئيس جمهورية البرتقالة ويا ايها الرجل الذي لم يقل سيدي الا لأحبته .. على راسي .. بعيوني .. سيدي