ليونيل باربر هنري فوي/ اليكس باركر ترجمة: شيماء ميران
ضمن محاولته ايضاح التحول في السياسة العالمية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بصوت عالٍ عن تنامي الحركات الشعبوية الوطنية لدى كل من اوروبا وأميركا التي تدّعي بأنّ الامبريالية استنفدت قوتها كقوة ايديولوجية. فخلال مقابلة مع صحيفة فاينانشال تايمز أجريت داخل الكرملين عشية قمة مجموعة العشرين في اوساكا باليابان، قال بوتين "ان الفكر الليبرالي استنفد أغراضه بسبب انقلاب المجتمع ضد الهجرة وفتح الحدود وتعدد الثقافات".
ازاحة بوتين لليبرالية، وهي الايديولوجية الغربية المهيمنة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، جاءت متناغمة مع مناهضة كل من الرئيس الاميركي دونالد ترامب والسياسي الهنغاري فيكتور أوربان والايطالي ماتيو سالفيني وحركة البريكست في بريطانيا. وعلق الرئيس بوتين: "لا يمكن لليبراليين ان يُملوا ببساطة اي شيء على اي شخص مثلما كانوا يحاولون طيلة العقود السابقة".
وحول قرار المستشارة الالمانية انجيلا ميركل بالسماح لاكثر من مليون لاجئ اغلبهم من سوريا التي مزقتها الحرب للدخول الى المانيا، يصف بوتين ذلك القرار بأنّه خطأ جوهري. لكنّه امتدح دونالد ترامب لمحاولته وقف تدفق اللاجئين والمخدرات من المكسيك، قائلا: "ان هذه الفكرة الليبرالية تفترض انه لا حاجة للقيام بأي شيء، ولهذا يمكن للمهاجرين القتل والنهب والاغتصاب من دون عقاب لأنّ حقوقهم كمهاجرين ينبغي حمايتها".
رفض موقف بوتين
وأضاف بوتين "ان كل جريمة يجب ان يكون لها عقاب، إلّا ان الفكر الليبرالي أصبح باليا. وبات يتعارض مع مصالح الغالبية العظمى من المجتمع".
لكن رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك رفض تعليق الرئيس الروسي قائلا: "أختلف بشدة مع بوتين، وان ما اجده باليا بالفعل هو الاستبداد والشخصيات الدينية وحكم الاقلية".
ولكون بوتين الحاكم الفعلي لروسيا على مدى عقدين من الزمن، والبالغ من العمر 66 عاما، يواجه اتهامات مستمرة بدعمه السري للحركات الشعبية من خلال المساعدات المالية ووسائل التواصل الاجتماعي، لاسيما في الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2016، واستفتاء البريكست وانتخابات البرلمان الاوروبي
الاخيرة.
وهذا ما نفاه الرئيس بوتين نفيا قاطعا. كما رفض استنتاج المستشار الخاص روبرت مولر بان روسيا كان لها تدخل منهجي في الانتخابات الرئاسية الاميركية عام 2016 واعتبره " تدخلا وهميا".
وبالعودة الى الحرب التجارية الاميركية-الصينية والتوترات الجيوسياسية لمنطقة الخليج بين اميركا وايران، وصف بوتين الوضع بانه اصبح "متفجّرا". وقال: "ان المشكلة تنبع من الانفراد الاميركي وغياب القوانين الداعمة للنظام
العالمي".
الموقف من الخونة
وعبر الرئيس الروسي عن قلقه حيال التهديد بتجدد سباق التسلح النووي بين كل من اميركا وروسيا، وقال "ان الحرب الباردة كانت شيئا سيئا.. لكن على الاقل كان هناك بعض القوانين يتبعها او يلتزم بها جميع المشاركين في التواصل الدولي، اما الان فعلى ما يبدو لا توجد قوانين مطلقا".
وكإشارة ايجابية اوضح بوتين ان هناك اشارات أولية عن ذوبان جليد العلاقات البريطانية- الروسية، قبل لقائه بتيريزا ماي في أوساكا التي كانت اخر قمة تحضرها بمنصب رئيسة وزراء بريطانيا، وقال بوتين: "اعتقد ان كلّاً من روسيا وبريطانيا مهتمتان باعادة العلاقات بينهما كليا، وعلى الاقل لدينا أمل بأن يتم اتخاذ خطوات اولية قليلة في هذا الامر".
وكانت العلاقات بين لندن وموسكو قد تجمّدت بعد محاولة اغتيال العميل الروسي المزدوج السابق سيرغي سكريبال في سالزبوري بانكلترا.
وتُلقي الحكومة البريطانية اللوم على الحكومة الروسية للتوتر الذي احدثه استهداف العميل، لكن بوتين يؤكد عدم وجود دليل يثبت ذلك. واشار الى ان سكريبال قد قضى محكوميته في روسيا قبل ان يتم اطلاق سراحه عبر عملية مبادلة جواسيس مع بريطانيا.
واوضح بوتين بأنّه لا يتسامح ابدا مع الجواسيس الذين يخونون بلدانهم. ويقول "ان الخيانة هي أخطر جريمة وينبغي أن يعاقب الخونة، وهذا لا يعني ان حادثة سالزبوري هي طريقة التعامل معهم. لكن الخونة تجب معاقبتهم"، وكانت ماي قد اخبرت بوتين خلال لقائهما بأن حوادث مشابهة لحادثة سالزبوري لا يمكن ان تتكرر ابدا.
وكان الرئيس الروسي قد اصبح اكثر جرأة خلال السنوات الاخيرة، فقاد حملة انضمام شبه جزيرة القرم، ودعم تمرد شرق اوكرانيا، وتدخل عسكريا في سوريا حيث وصفه بالنجاح الواضح.
التغاضي عن النتائج
وبعيدا عن قتل الالاف من المسلحين المتطرفين ودعم حكم الرئيس السوري بشار الأسد، قال بوتين إنّ العمليات العسكرية اكسبت القوات الروسية المسلحة خبرة قتالية لا تقدر بثمن. وأشار بوتين الى موجات الهجرة من مناطق الصراع في افريقيا والشرق الاوسط، التي شجعت الجريمة والاجهاد الاجتماعي، وبالمقابل تأجيج ردة فعل عنيفة مناهضة للمؤسسات
الاوروبية.
وقال الرئيس الروسي، مرددا صدى اصوات الشعبويين القوميين مثل الايطالي سالفيني والفرنسية ماري لوبان، أن الحكومات الليبرالية لا تعمل على طمأنة المواطنين. وبدلا من ذلك تتابع احتضانها غير العقلاني لتعدد الثقافات وتبني حالات اخرى مثل المثليي الجنس.
ويضيف "لندع الجميع يكونوا سعداء، ليس لدينا مشكلة مع هؤلاء، لكن ينبغي ان لا يلقي الامر بظلاله، لدرجة مفرطة، على الثقافة والتقاليد والقيم العائلية للملايين الذين يمثلون اللبنة الاساسية للمجتمع".