الحب والسيف

الصفحة الاخيرة 2018/11/11
...

حسن العاني 
 
من بين انشغالات عبثية أنأى بها عن دوخة الرأس، أمضيت قرابة سبعة أشهر في إعداد بحث علمي يتناول مفهوم الحب عند الأمم، وبالنظر لرغبتي الشديدة في أنْ يكون البحث جاداً وموضوعياً وبعيداً عن العواطف أو النزوات الشخصيَّة، فقد جمعتُ له من الكتب الصفراء والمخطوطات والمصادر والإصدارات الحديثة، ما يزيد على حمل بعير.. استعنت بافلاطون وجمهوريته وإبن حزم وطوق حمامته وفلاسفة اليونان والفرس والعرب، ولم يفلت من يدي فيلسوف اشتراكي أو رأسمالي، شرقي أو غربي، هندي أو صيني، تقدمي أو رجعي.. تناول موضوعة الحب أو أشار إليها مجرد إشارة، فقد حرصتُ على التنوع والشمولية، واكتشفتُ في وقت مبكر من اشتغالي، لماذا يدوم الحب قبل الزواج سبعين سنة ولا يدوم بعده أكثر من سبعة أيام!!
الحق، لم تقتصر جهودي على الفلسفة، حيث تحولت الى مؤلفات علم النفس وعلم الاجتماع من سيجموند فرويد الى قاسم حسين صالح، ومن إبن خلدون الى علي الوردي، ولم أترك صغيرة أو كبيرة، ولا شاردة أو واردة إلا وتابعتها وأفردتُ لها مكاناً في بحثي الموسوعي، حتى إذا انتهيت من ذلك كله، التفتُّ الى الحياة العربية وباديتها وقصصها وأشعارها، ووقفتُ طويلاً عند قيس وليلى، وجميل بثينة، وكثير عزة، وإبن الاحنف وفوز، وإبن زيدون والولادة بنت المستكفي... وعند شعراء أحبوا بالجملة، ليس ابتداءً بأمرئ القيس ولا انتهاءً بعمر بن أبي ربيعة، ولم أنسَ أشعار العذريين والحسيين والمتصوفة، وصولاً الى (وفيقة) السياب ونسوان نزار قباني!
ومن باب الاحتياط والتحوط للأمر، والسعي وراء الوصول الى بحث شمولي عليه العين، لا يشبه ستين بالمئة من (الرسائل والأطاريح) التي تثير الخوف على مصير البلد العلمي، قمتُ بتمديد مهلة الجمع والإعداد من سبعة أشهر الى زمن مفتوح، كما عمدتُ كذلك الى متابعة الفضائيات العربيَّة وما تعرضه من أفلام ومسلسلات وبرامج منوعة عن الحب، ناهيك عما تبثه من أغانٍ شبابيَّة لا تختلف في شيء عن معظم أغاني الشباب العراقيَّة، فجميعها تؤدي الى هزّ (الوسط) ولا تهزُّ المشاعر!
هذه هي حالي التي لا أحسد عليها، فالناس يمكن أنْ تكون خبيرة في مجال التكنولوجيا أو اللغة أو النفط أو الاقتصاد.. الخ، إلا أنا، أصبحتُ خبيراً في الحب بعد خراب البصرة، أي بعد أنْ داهمتني الشيخوخة وأعراض الخرف، وإذا كان لي دلوٌ أدلو به، فأقول وأشهد، أنَّ من بين كل ما اطلعت عليه ما استوقفني شيء، مثلما استوقفتني عبارة وردت على لسان العبد الأسود، بطل الأبطال وأشجع الشجعان وسيد العشاق (عنترة) وهو يخاطب حبيبة القلب (عبلة) بصوتٍ فيه حزنٌ ورجولة (كل شيء يمكن أنْ يؤخذ بالسيف إلا الحب)، وتلك كانت حال العشاق القدامى بلا استثناء، حيث أدركوا تجربة وخبرة وشهامة، بأنَّ للقلوب رسولاً غير السيف، فماذا حلّ بدهرنا يا سادة العصر، ومن خرّب نفوسنا يا أمراء الطوائف والأحزاب والكيانات لكي يصبح الحبُّ هو الشيء الوحيد الذي نأخذه بالسيف والقوة؟!