إجراءات للحدّ من تدهور الثروة السمكيَّة
ريبورتاج
2018/11/11
+A
-A
بغداد/ فجر محمد
بعينين محمرتين ووجه يعتصره الالم اطل (و،ز) بوجهه الخمسيني الذي يمتهن بيع وتجارة الاسماك ، اذ كان ينظر الى الاحواض التي يربي فيها اسماكه و يهتم بها على احدى ضفتي النهر عندما شاهد منظر المئات منها وهي نافقة ويقول بحسرة واضحة في صوته:
«لطالما استهوتني زراعة الاسماك والاهتمام بها بشكل كبير جدا لذلك اتجهت لهذه المهنة التي غالبا ما تدر ارباحاً جيدة ايضا، ودائماً كنت احاول ان التزم بالارشادات والنصائح الطبية الخاصة بالاسماك كي احافظ على سلامتها، ولكني تفاجأت انا وغيري من المربين بنفوقها هكذا بين ليلة وضحاها».الطبيب البيطري الذي فضل عدم الكشف عن اسمه اشار الى ان هذا النفوق الهائل متعدد الاسباب، كما انه ليس بالجديد، لكونه قد بدأ قبل شهر ونصف في منطقة جديدة الشط، اذ تم رصد حالات اصابة وتبين من خلال الفحص المختبري ان الاسماك مصابة بالتهاب الغلاصم العفني، وحدث ذلك لان الاقفاص تحتوي اليوم على ما يقارب 10 آلاف سمكة ويعطيها المربون ما يقارب طناً من العلف الذي لوحظ انه رديء النوعية، فضلا عن رمي الحيوانات النافقة في النهر التي تتحلل الى بكتيريا وفايروسات قاتلة وبالتالي تتأثر بها الاسماك التي تكون في الغالب ضعيفة المناعة، فضلا عن المخلفات الصناعية التي ملأت مياه النهر، وكذلك طرق الصيد الجائر وصعقها بالكهرباء والمبيدات وهذه كلها عوامل مؤثرة في الثروة السمكية .
بوادر المرض
بعد أن قام بتفريغ الاقفاص من الاسماك النافقة، بدأ بمهمة التعقيم بوضع مادة الفارغون وغيرها من المعقمات، ويروي المربي كيف بدأت مشكلة النفوق قبل ما يقارب شهراً واحداً قائلا:
«لاحظنا ان هناك احواضاً قد نفقت اسماكها ما استدعانا الى طلب المشورة والتبليغ لدى الجهات ذات العلاقة التي بعد الفحص تبين انها مصابة بمرض العفن البكتيري الذي يضرب غلاصمها وبالتالي يؤدي الى اختناقها».
مدير قسم الوبائيات في دائرة البيطرة بوزارة الزراعة الدكتور ثائر صبري حسين اشار الى انه:
ابلغت الجهات المختصة ومنها البيطرة في الثامن من الشهر الماضي بحدوث حالات اصابة وثبتت في العاشر منه وجود بكتيريا ومرض يعرف بتعفن الغلاصم وهذا المرض عبارة عن فطريات من نوع «اسبرجلس» وبكتيريا «هيرومانس» تصيب الخياشيم، فتصاب بالتعفن والتنخر فلا تستطيع السمكة التنفس بصورة صحيحة بسبب قلة نسبة الاوكسجين وهذا المرض تصاب به الاسماك في شهر الخريف، لاسيما عندما تصبح درجة حرارة الماء بين 20 و25 درجة مئوية، وايضا عندما ينخفض منسوب المياه ويتوقف جريانها، فيقل الاوكسجين فضلا عن توفر بيئة مناسبة لنمو العفن والبكتيريا، كما ان هناك انواعاً من الاعلاف تحتوي على اجزاء حيوانية تزداد فيها نسبة النتروجين بالمقارنة مع الاوكسجين فتؤثر في الاسماك بشكل سلبي مؤدية الى نفوقها «.
انتقال الجرثومة
وتابع المربي كلامه قائلا:
«الكثير من زملائي عندما شاهدوا اسماكهم نافقة في وضح النهار اصيبوا بالصدمة ومنها من كان يقفز خارج الماء بطريقة هستيرية بسبب شدة السمية العالية التي تعرضت لها جراء اصابتها بالمرض، لذا منهم من تخلص منها بطريقة خاطئة برميها في مياه النهر دون التفكير بمخاطر هذا الامر».
مدير قسم الصحة الحيوانية في دائرة البيطرة بوزارة الزراعة الدكتور ميثاق عبد الحسين الخفاجي بين انه عند التعرض لازمة او مشكلة صحية تبدأ الجهات المعنية بسياسة الاحتواء ومعالجة الاسماك المصابة داخل الاقفاص، وازالة النافقة من النهر، لانها تهدد الصحة العامة لكونها ملوثة لمياه الشرب، فضلا عن اجراءات بعيدة المدى ومنها يجب ان يصل العراق الى تفاهم مع دول المنبع لرفع مناسيب المياه ومن ثم القيام بعملية تقنين التربية بالاقفاص لتقليل الجهد على النهر، لكون الكثير من هذه المشاريع غير مجازة وبالتالي لا تخضع للضوابط والشروط البيئية فعلى سبيل المثال القفص الذي يستوعب 300 سمكة اصبح يمتلئ اليوم بمايقارب 2000او 3000 سمكة ، وبالمقارنة مع مساحة الكتلة المائية، نجده تجاوزاً كبيراً على النهر ويجعل منه بيئة غير صالحة لمعيشة الاسماك، لان استهلاك الاوكسجين يكون عالياً جداً وبالتالي العلف ايضا تكون نسبته كبيرة جدا ويتحلل في الماء، متحولاً الى غاز الامونيا الذي يسبب التسمم.
الشباك البلاستيكية والمطاطية
قامت الجهات المعنية بتوزيع شباك بلاستيكية ومطاطية لجمع الاسماك النافقة فيها كي لا تنقل عدواها الى السليمة ولا تلوث مياه النهر، ويوضح المربي (و،ز) انه وزملاءه قد تسلموا الشباك المطاطية وجمعوا اسماكهم النافقة وابعدوها عن النهر كي لا تلوثه.
الوكيل الفني لوزارة الزراعة الدكتور مهدي القيسي اكد ان اجراءات الاحتواء مستمرة ومنها حصر الاسماك الميتة وابعادها عن الحية ومحاولة الحفاظ على مياه النهر بوضع شباك تبعد النافقة عن نظيرتها السليمة، اذ لوحظ توقف الاصابة بشكل كبير، وما حصل هو تلوث بيئي وبكتيري وسيتم علاجه بسرعة مع الاشارة الى ان الاقفاص المصابة لم تكن تراعي الضوابط والشروط الموضوعة لها.
أعلاف وطنيّة
تتكدس اكياس العلف على مقربة من الاقفاص من مناشئ مختلفة، وبينما هو يرتبها بشكل منظم يلفت المربي(و،ز) الى عدم توفر اصناف وطنية، بل مستوردة فقط وهذا الامر ايضا يثير القلق والتوجس لدى المربين.
الطبيب البيطري وضح انه لا توجد اعلاف وطنية، اذ تغيب المصانع الوطنية التي توفر غذاء الاسماك ما يفرض على المربين ان يتعاملوا مع مناشئ متعددة وبالتالي من الممكن ان تكون ملوثة بالعفن والفطريات، او على اقل تقدير تكون غير خاضعة للشروط الصحية الواجب توفرها في تلك المواد، كما ان المربين بحاجة الى دعم واسناد الجهات ذات العلاقة وهذا الامر يكاد يكون غائباً.
عضو مجلس قضاء الديوانية والطبيبة البيطرية الدكتورة نورس هادي العادلي بينت ان لكل دولة في العالم مواصفات صحية، لابد ان تتوفر في اعلافها ففي اميركا واوروبا هناك نسب معينة للفطر و تكون صغيرة جدا بالمقارنة مع بقية المواد الموجودة ، فضلا عن فترة خزن معينة للعلف وبدون هذه الشروط من الممكن ان يتحول الى مادة سمية، كما ان وجود مياه الصرف الصحي في مياه النهر من شأنه ان يقلل من الاوكسجين وعند استنشاق الاسماك لغازات مياه الصرف الصحي يتجمع الفطر في خياشيمها وبالتالي يؤدي الى موتها.
جنوح الأسماك
مدير قسم الصحة الحيوانية بدائرة البيطرة في وزارة الزراعة اوضح بأن الفطريات والبكتيريا موجودة في المياه وتتكاثر بشدة عند توفر البيئة المناسبة لها، ولم يتم تشخيص سبب الهلاكات بوباء معين، لان من شروطه ان يكون هو المسبب الرئيس في النفوق ولكن لغاية الان لم تعرف الاسباب الحقيقية لهذه الكارثة ، علما ان ظاهرة نفوق الاسماك مسجلة في جميع دول العالم، لان بيئتها مختلفة عن البيئة الاخرى واستهلاكها للاوكسجين والنتروجين والضغط الجوي والحرارة كلها عوامل مباشرة في التأثير بالبيئة المائية، وان اي تغير قد يؤدي الى ظهور ظاهرة معينة من شأنها ان تؤذي هذه الكائنات الحية، وهذا ماموجود في البحار عندما تجنح الاسماك والقروش الى مناطق بعيدة عن ما اعتادت عليه ولم يقف العلماء الى الان على السبب الحقيقي لهجرة الاسماك والكائنات البحرية، وما حصل في الاحواض المائية ان الاسماك حوصرت ولم تجد منفذاً لها ولم تتمكن من التنفس الطبيعي لذا نفقت.
خسائر اقتصادية
اشارت التقارير الاعلامية الى حدوث خسائر مالية وصلت الى الملايين، ويرى الخبراء الاقتصاديون ان هذا النفوق لن يكون مؤثراً كبيراً في الاقتصاد الوطني، اذ يقول الباحث بالشؤون الاقتصادية ليث علي:
«ان تجارة الاسماك لا تحتل المرتبة الاولى او انها ليست عنصراً رئيساً في اقتصاديات الدولة، ومهما حصل من خسارة، فالمربون العراقيون قادرون على انعاش الثروة السمكية من جديد، علما ان اقتصادنا ريعي ووحيد الجانب ويعتمد على النفط بشكل كبير لذلك فان هذه المشكلة التي حصلت مع الاسماك لن تكون مؤثرة في الاقتصاد، لذلك لابد من توخي الحيطة والحذر من قبل المواطنين في التعامل مع مشكلة النفوق وان لا يتوقعوا ان الاقتصاد سينهار بسبب هذه المشكلة على الرغم من انها سببت الضرر للكثيرين لكون الثروة السمكية مهمة جدا ومهنة الكثيرين».
حماية الأنهار
لم تعد القضية متعلقة بالاسماك فقط، بل اصبح التحدي الاكبر هو الحفاظ على مياه نهري دجلة والفرات اللذين يتعرضان للتلوث يومياً وبنسب كبيرة، اذ اشارت التقارير والدراسات البيئية الى وجود نسبة كبيرة من الملوثات والمخلفات الطبية والصناعية.
عضو مجلس قضاء الديوانية والطبيبة البيطرية دعت الى انه يجب ان تمارس الشرطة النهرية مهامها بالحفاظ على المياه ومعاقبة المتجاوزين الذين يلقون بمخلفاتهم وفضلاتهم في النهر ومنع انتشار الملوثات والمخلفات التي اثرت في الكائنات البحرية.