تنقيب أنقرة عن غاز قبرص يُثير التوترات

بانوراما 2019/09/15
...

كيث جونسون  ترجمة: خالد قاسم
 

لا يعدّ مضيق هرمز المجرى المائي الوحيد المبتلى بتوترات متصاعدة، وشراء تركيا صواريخ روسيّة ليس القرار الوحيد المثير للمتاعب من قبل أنقرة مؤخرا، إذ أن تركيا ايضا تصعّد نزاعها مع قبرص على ثروات طاقة تحت سطح البحر، وقد أرسلت سفنا حربية وتنقيبية الى مياه متنازع عليها في البحر المتوسط ضمن محاولة لإبعاد قبرص عن تطوير اكتشافات الغاز الطبيعي.

وكانت السلطات التركية قد أرسلت خلال الفترة الأخيرة عدة سفن حفر وتنقيب الى المياه المحيطة بجزيرة قبرص، باحثة عن اكتشافات الغاز لصالحها بمناطق تدّعي نيقوسيا امتلاكها. ورافق أسطول من السفن الحربية والغواصات وطائرات الدرون وقوارب الدوريات التركية سفن الحفر، مما أثار ردود فعل حادة لدى الشطر القبرصي اليوناني فضلا عن الاتحاد الأوروبي الذي وصف تصرفات تركيا بأنّها "غير قانونية" وقام بفرض عقوبات مالية رمزيّة على أنقرة.
لا يعدّ سلوك تركيا العدائي جديدا، فهو ذروة أكثر من خمس سنوات من الاستفزازات المتزايدة لشركات وسفن تجري تنقيبا عن الطاقة حول قبرص، التي اكتشفت للمرة الأولى حقلا كبيرا للغاز الطبيعي قبالة ساحلها الجنوبي قبل عشر سنوات. ذلك الذهاب والاياب بين تركيا وقبرص ودول أخرى حول شرق المتوسط كان الهدف منه أن يبقى هادئا، لأنّ مشاريع الطاقة أصيبت بتحديات تقنية واستغرق تطويرها سنوات. غير أنّ تركيا تزيد ضغطها، وتجد شركات النفط الكبرى كميات أكثر من الغاز حول قبرص اذ حققت شركة اكسون موبيل اكتشافا كبيرا خلال وقت سابق من العام الحالي، وتبدو الجزيرة المقسّمة أقرب من أي وقت مضى لمعرفة كيفية الحصول على الغاز الثمين من الأرض وصولا الى السوق. 
وكانت قبرص ومصر قد اتفقتا على مد أنبوب لنقل الغاز من أول اكتشاف كبير الى مصر لأغراض التصدير النهائي. حصل ذلك في وقت يبدو فيه أن تركيا تبتعد عن الغرب، وتخاطر بقطيعة صريحة مع الولايات المتحدة والاقتراب من روسيا واثارة غضب كل جيرانها بشرق المتوسط.
 
مشاريع طموحة
يقع شرق المتوسط وسط نهضة بمجال الطاقة بعد اكتشافات غاز كبيرة لدى كل من قبرص ومصر واسرائيل، وكذلك امكانات أخرى أمام ساحل لبنان. واذا أخذ تلك القدرات بالمجمل فإنّ موارد الغاز البحري لمنطقة شرق المتوسط كبيرة، وكان لها تأثير واضح على أمن الطاقة المصري واستقرارها الاقتصادي، وساعدت بتطهير قطاع الكهرباء الاسرائيلي. وحتى اذا انتعش الطلب المحلي فلن يلتهم كل الغاز المنتج، لذلك الهدف الكبير التالي هو زيادة تطوير الحقول لتصدير الغاز الطبيعي، سواء عبر أنبوب الى أوروبا أو بالسفن حول العالم.
شكلّت مصر واسرائيل وقبرص ودول أخرى منتدى غاز مطلع العام الحالي بهدف التطوير المشترك للبنى التحتية المطلوبة لدفع ثورة الطاقة نحو الأمام، لكن هذا التجمع استثنى تركيا بوضوح، إذ أنّها لم تكتشف أي موارد للغاز في المياه وحدها حتى الآن.
هذه الندرة بثروات الطاقة هي أحد أسباب ضغط الحكومة التركية في موقفها العدائي حول قبرص، وتتمسك بتفسير غير مألوف للقانون الدولي، وهو تفسير يخالف معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار، اذ ترى أنقرة أن جزرا مثل قبرص لا تستطيع المطالبة بحقوق اقتصادية حصرية بمساحات من الماء قبالة شواطئها. 
وبدلا من ذلك، تعتقد تركيا أن ملكية المياه البحرية يجب تحديدها بواسطة الجرف القاري، مما يعني أن تلك المياه تركية غالبا فضلا عن كل الهيدروكربونات المكتشفة هناك. وتم ارسال أول سفينة حفر تركية الى المياه المتنازع عليها على مسافة 80 كم قبالة الساحل الغربي لقبرص، أي داخل المنطقة الاقتصادية الحصرية لقبرص. وتعمل سفينة حفر أخرى على الجانب الثاني من الجزيرة تحت امتياز منحته جمهورية قبرص التركية المنشقة.  ويشير نيكوس تسافوس، خبير الطاقة لدى مركز الدراسات الستراتيجية والدولية، الى أن بعض المناطق شهدت اصدار القبارصة اليونانيين والأتراك "تراخيص متداخلة" لشركات النفط حتى تستكشف المساحات المائية نفسها. ولذلك لوحت تركيا بترخيص قبرصي تركي وطاردت العام الماضي سفن حفر تعمل لصالح شركة إيني الايطالية للنفط والغاز التي تعمل وفق ترخيص قبرصي يوناني.
لكن النزاع يتعدى المياه، فالتقسيم المستمر لقبرص ما يزال مصدر ازعاج كبير في العلاقات بين أنقرة ونيقوسيا وأثينا، وخصوصا بعد انهيار محادثات الوحدة في العام 2017. وازداد ذلك العداء حدة مؤخرا بسبب الثروات البحرية المحتملة والقابلة للاستكشاف، اذا وجدت طريقة لتقاسمها.
 
ادّعاءات متضاربة
تعتقد أنقرة أنّ الموارد الموجودة حول الجزيرة يجب تقاسمها بين القبارصة اليونانيين والأتراك على حد سواء. وتواجه نيقوسيا، بوصفها الحكومة الوحيدة المعترف بها عالميا في الجزيرة، بقولها إنّها تمتلك حق تطوير موارد الطاقة على أراضيها وتستطيع التحدث بخصوص كيفية تقاسمها بعد تحقق الوحدة السياسية للجزيرة فقط. ورفضت قبرص مؤخرا مقترحا تركيا للتعاون بمشاريع الطاقة، قائلة إنّ الوحدة لها الأولوية.
يعدُّ جانبا من السلوك العدواني التركي انعكاسا للقلق بشأن اقتراب قبرص من تطوير موارد الطاقة وهذا سيقوي موقفها اذا استؤنفت محادثات الوحدة. ولا يساعد السلوك التركي على تهدئة التوترات الاقليمية مع اشتداد المواجهة بين ايران والولايات المتحدة، وتهديدات بحرب ناقلات نفط أخرى قرب الخليج والتداعيات المستمرة للحرب الأهلية السورية. وسلّط بعض الخبراء الاقليميين، مثل سايمون هندرسون من معهد واشنطن، الضوء على امكانية توريط دول أخرى بالنزاع بسبب تصرفات تركيا تجاه استكشاف الغاز.
لم تتدخل تركيا حتى الآن في الاكتشافات الكبيرة جنوبي قبرص، وهي المياه التي كان من المستبعد على تركيا المطالبة بها. 
ويعطي هذا بعض الخبراء الأمل بأن تصرفات أنقرة لن تعيق المساعي الاقليمية الواسعة لتطوير موارد الغاز كاملة، مثل أنابيب بين اسرائيل ومصر أو من مياه قبرص الى محطات تصدير الغاز المصريّة.