اللاجئون والعودة القسريَّة لمناطق الخطر

بانوراما 2019/09/15
...

ترجمة: بهاء سلمان  مات ناشد
 

{أنا لستُ بخير. أنا أحتضرُ هنا في ليبيا}. هكذا أرسل لي {محمد حفيظ} رسالة من مركز احتجاز ليبي في الآونة الأخيرة؛ فبعد هروبه من دارفور التي مزّقتها الحرب، أتى الشاب البالغ 26 سنة الى ليبيا قبل سنتين لعبور البحر المتوسط، رغم الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ العام 2011. وبعد جمعه مالاً كافياً من أقاربه، ركب حفيظ قاربا متهالكا من مدينة صبراته الليبية الساحلية يوم 22 تشرين الثاني 2018، بمعية 111 فردا آخرين، جميعهم هاربون من ويلات الفقر والنزاعات. لكن "حرس السواحل {الليبي} وهي فرقة من الميليشيا (أسهمت أوروبا بإنشائها وتدريبها وتمويلها لمنع المهاجرين من الوصول الى القارة العجوز) اعترضت القارب وسحبت الجميع عنوة الى مراكز الاحتجاز، إذ تنتشر حالات الاتجار بالأعضاء البشرية والاغتصاب والتعذيب وغيرها؛ وتدهورت حالة حفيظ هناك، ولم يتصل بي، أو بغيري، منذ الأول من حزيران الماضي.
 

حفيظ هو واحد من عشرات آلاف اللاجئين الذين صاروا ضحايا للتغيّر الجذري من قبل المجتمع الدولي تجاههم. ومنذ إنشاء الدول، كان لكل بلد حق سيادي باختيار من يسمح له بالدخول الى أراضيها ومن يبقى خارجها. 
في الوقت نفسه، التزمت غالبية الدول منذ إعلان ميثاق الأمم المتحدة للاجئين سنة 1951 بقانون دولي رئيسي ينصّ على ذلك الميثاق؛ يطلق عليه مبدأ "عدم الإعادة القسريّة"، الذي يحظر الدول من إرجاع طالبي اللجوء الذين دخلوا أراضيها الى المناطق التي تتعرض فيها حياتهم أو سلامتهم الى الخطر.
 
أزمة الروهينجا
 لكن تحوّل نهج الدول الأميركية والأوروبية تجاه اللاجئين خلال السنتين الأخيرتين توسّع انفجاريا الآن نحو تخلّي عالمي هائل عن ذلك المعيار، فالولايات المتحدة ترفض طلبات سبعين بالمئة من طالبي اللجوء، بحسب دراسة أجرتها جامعة سيراكيوس، وتسعى أوروبا لتجنّب مبدأ عدم الإعادة القسريّة، بحسب مجاميع حقوق الانسان والمحللين المستقلين، من خلال سلسلة من الاتفاقيات المشتركة مع دول مثل تركيا وليبيا بهدف تأمين عدم وصول اللاجئين للشواطئ الأوروبية. 
حاليا، تسعى المزيد من دول جنوب آسيا والشرق الأوسط وحتى أميركا اللاتينية، التي آوت اللاجئين الفارين من العنف بشكل تقليدي، لاتّباع المثال الغربي بإرجاعهم أيضا الى أكثر مناطق العالم خطورة. 
ويقول "جيف كريسب"، الباحث بمركز دراسات اللجوء التابع لجامعة اوكسفورد: "يطلق على هذا الحال الأثر المضاعف، فعندما تتخلى الدول الأكبر والأغنى عن القوانين الدولية لحقوق الانسان وتخرقها، بالتالي ستتساءل الدول الأخرى: لماذا لا نفعل نحن ذلك؟، "لننظر الى أزمة لاجئي الروهينجا، فالهند التي احتضنت ضحايا الاضطهاد من التبت وسريلانكا وافغانستان وأوروبا وبنغلاديش خلال عقود ماضية، تتعامل الآن مع أربعين ألف لاجئ مسلم روهينجي كأجانب غير شرعيين. 
ومنذ العام الماضي، تواصل حكومة البلاد، الهندوسية القومية التوجه، ترحيل مئات العوائل الى ماينمار، ونفذت سنة 2017 ما سمَّاه البعض حملة إبادة ضد 
اللاجئين. 
أما بنغلاديش المجاورة، والتي حازت المديح حينما استقبلت 900 الف روهينجي قبل سنتين، فقد وقعت اتفاقية مع ماينمار في تشرين الثاني 2017 لاعادتهم الى ديارهم، بيد أن الاتفاقية اشترطت العودة "الطوعية"، لكن الروهينجا أوضحوا أنّهم لن يرجعوا ما لم يمنحوا حقوق المواطنة بشكل عادل ومتساوٍ مع الآخرين، الأمر الذي ترفض ماينمار فعله. 
يقول "عزيم ابراهيم"، مدير مركز السياسة العالمية في واشنطن: "أعتقد أن الجهود المبذولة من قبل بنغلاديش والهند ستزداد لاعادة هؤلاء اللاجئين، لكن لا أحد منهم يرغب بذلك، وما يزال اضطهاد الروهينجا قائما الى الآن". بحلول مطلع العام 2017، كانت الأردن، التي تستضيف أكثر من 600 ألف لاجئ سوري، تعيد أربعمئة لاجئ شهريا الى أراضيهم التي مزقتها الحرب. 
وخلال السنة الماضية، أعادت تركيا أكثر من 250 ألف لاجئ سوري الى آخر معقل للمقاومة في إدلب، إذ يتحمّل المدنيون وطأة هجمات الحكومة السورية. وتمثل حالات الترحيل انتقادا مركزيا لاتفاق الاتحاد الأوروبي مع تركيا سنة 2016، وهو اتفاق يمنع اللاجئين الموجودين في تركيا من الوصول الى أوروبا. وأعربت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين علنا عن قلقها من تصرفات الاتحاد الأوروبي وتركيا والهند وبنغلاديش والدول العربية، ويخشى الخبراء من احتمال أن تسبب هذه الخروقات المتكررة بفقدان مبدأ عدم الاعادة القسريّة أهميته القصوى مستقبلا.
 
الاحتيال على القوانين
وبرغم عدم توقيع خمسين دولة على ميثاق 1951 الأممي أو بروتوكول 1967 المصاحب له، يعد مبدأ عدم الاعادة القسريّة مقرا بشكل واسع حتى من قبل غالبية الدول التي لم تصادق على الاتفاقيات الدولية. لكن حاليا، تخرق الدول الموقعة على القانون، أو تتطلع الى طرق لتجنب تطبيقه، كما يحصل في دول أميركا الوسطى والجنوبية
التي تعيد اللاجئين الفنزويليين.  
بعد ذلك كله يأتي حفيظ وأمثاله، فالاتحاد الأوروبي يعد ليبيا "بلدا آمنا" بينما هو في الحقيقة ساحة حرب، بحسب المنتقدين؛ ومن خلال دفع المال لحرس السواحل الليبي، يزعم الاتحاد الأوروبي بعدم امكانية اتهامه بالإعادة القسرية لأنّ السفن الأوروبية ليست هي من يعيد قوارب المهاجرين. وتزعم تركيا وبنغلاديش أيضا اعادتهما للاجئين طواعية، بينما تضع الهند والأردن شؤون "الأمن الوطني" كعذر للتخلّص من اللاجئين، بدون دليل واضح لكيفية تمثيل مجتمع بأكمله تهديدا لهما. 
من جهة أخرى، يمنع لبنان مليون ونصف مليون لاجئ سوري من بناء منازل مناسبة لهم، وتتجذر هذه السياسات منطلقة من الخوف من امكانية إخلال السوريين، ذوي الغالبية السنيّة، بالتكوين الطائفي الهشّ للبنان اذا ما بقوا في البلاد. 
ومن المرجّح ازدياد حالات الترحيل من بلد الى آخر، بحسب المحللين، ففي تركيا، هناك ثلاثة ملايين سوري خاضعين لحالة الحماية المؤقتة، وهو وضع قانوني يمنعهم من الاقامة الدائمية، بذلك، تبقى أعداد هائلة مهددة بشكل دائم بإعادتهم الى أوطانهم. وتبحث أوروبا عن طرق جديدة لفعل الشيء نفسه، فخلال نيسان الماضي، أوقفت ألمانيا اجراءات تفعيل طلبات اللجوء لجميع السوريين المقيمين تحت الحماية المؤقتة والبالغ عددهم 17411 فردا، وقال وزير الداخلية "هورست سيهوفر"، الذي اختلف مع المستشارة ميركل حول قرارها الترحيب باللاجئين سنة 2015، ان الاجراءات سيتم استئنافها بعد اعادة تقييم الوضع الأمني لسوريا. 
وتخشى مجاميع حقوق الانسان من تبني الداخلية الألمانية لقواعد توجيهية جديدة لترحيل اللاجئين رغم وجود خطر العقوبات والانتقام. وبعد كل شيء، اذا كانت ليبيا تصنّف كونها "آمنة"!!، بذلك فإنّ جميع الأماكن الأخرى ستكون مثلها 
آمنة.