عبد الملك الحسيني
إن مبدأ السيادة بات من المبادئ الأساسية للقانون الدولي المعاصر والنظام الدولي الحالي ،ويعد معيارا حقيقيا للدولة.
ومن المنظور القانوني فإن جميع الدول متساوية في السيادة ،ولكن التفاوت يكمن في ممارسة السيادة على المستوى الدولي أو الداخلي بحسب قوة الدولة من النواحي العسكرية والاقتصادية والسياسية ،أما المواثيق الدولية فإنها بمجملها تؤكد احترام مبدأ السيادة.
وقد عرّفت السيادة بأنها "سلطان الدولة الكامل على الأشخاص والأموال والإقليم،وحريتها في تصريف شؤونها الخارجية ".
وللسيادة وجهان داخلي وخارجي، أما الداخلي فيتمثل بقدرة الدولة على بسط نفوذها على جميع مفاصلها ومقدراتها كالأشخاص والأموال والإقليم .
وآخر خارجي يعني تمتع الدولة بحرية كاملة في تنظيم علاقاتها مع الدول الأخرى واتخاذ القرارات والمواقف المصيرية في الدفاع عن سيادة وأمن واستقرار البلد وتوقيع المواثيق والمعاهدات الدولية وحضور المؤتمرات وغير ذلك من مظاهر السيادة الخارجية.
ومن خلال هذا التوصيف يبدو واضحا أمامنا بأن هناك دولة تامة السيادة ودولة ناقصة السيادة، فالدولة التي لا تخضع في شؤونها الداخلية والخارجية لسيادة دول أخرى ولا يحد من سلطتها شيء باستثناء قواعد القانون الدولي هي دولة تامة السيادة.
والدولة التي لا تتمتع بكامل حريتها في التصرف ولا تستطيع إدارة شؤونها بنفسها بسبب خضوعها لدولة أخرى مع أنها تعد دولة ضمن الإطار القانوني هي دولة ناقصة
السيادة.
وبالنسبة للسيادة العراقية فإنها قد مرت بمرحلة تآكل تدريجي منذ عام 1991 عندما وُضع العراق تحت طائلة القرارات الدولية حتى عام 2003 الذي وافق احتلال العراق من قبل القوات الأميركية ليخضع البلد بعد ذلك الى سلطة الاحتلال وينتهي الوجود السياسي للعراق كدولة،بعدها استمرت التطورات السياسية والميدانية سعياً نحو بناء دولة قوية على اسس ديمقراطية وذات سيادة ، ولكن النتائج جاءت مخيبة للآمال بعد تأسيس مجلس الحكم عام 2004 والذي لم يكن الخيار الأفضل والمنشود لدى العراقيين بسبب هيكلته على أسس التقاسم الطائفي والقومي حيث وصفه مراقبون بأنه البداية لتقويض أي مشروع يتجه نحو بناء دولة قوية، فكانت هذه البداية المخيبة بمثابة عملية شد واستدراج الاطراف السياسية نحو واقع من الصراعات الدامية والانقسامات المذهبية والطائفية التي ستنزع عن البلد صفة السيادة الكاملة، ثم توالت بعد ذلك خطوات المرحلة الانتقالية وتشكيل أول حكومة في حزيران عام 2004 ليدخل العراق بعدها مرحلة النزاعات الطائفية والسياسية والفوضى الأمنية التي ضربت الدولة من الداخل وهيأت ساحتها لتكون أرضا خصبة استغلها الإرهاب وكل من له مصلحة في التدخل بشؤون العراق .
ان سلسلة الحكومات ذات النهج والولاءات المذهبية والطائفية التي تعاقبت في عراق ما بعد 2003 خلفت وراءها الخراب والتراجع والتدهور على مختلف الأصعدة على الرغم من توفر كل مقومات النجاح لها من موازنات انفجارية تجاوزت الـ 100 مليار دولار على مدار السنوات الماضية و دعم سياسي واعلامي من قبل دول العالم.
هذه الانقسامات والولاءات المذهبية على المستوى السياسي دفعت اجندات اقليمية الى استثمار المشهد لصالحها بعد أن ارتضت هذه الكتل لنفسها ان تكون أداة من أدواتها تدين لها بالولاء التام ليتحول العراق الى بلد تابع وخاضع لإرادات دول خارجية تتحكم بمقدراته وتفاوض بالنيابة عنه.
أضف إلى ذلك الفوضى الأمنية وتغلغل الإرهاب والمليشيات المسلحة في مفاصل الدولة جعلت من العالم ينظر إلى العراق من زاوية ضيقة، كونه بلداً منزوع السيادة من الناحية العملية وغير قادر على إدارة نفسه بنفسه وبالتالي فهو خارج نطاق المعادلة الدولية.
إن عودة العراق الى مكانه الصحيح في المعادلة الدولية كبلد صاحب سيادة ويسهم في صنع القرار الدولي تتطلب من جميع الكتل السياسية ان تؤمن بأن هناك خطوات عملية ومنطلقات أساسية نحو صناعة السيادة لهذا البلد يجب اتباعها وهي بعيدة كل البعد عن النهج الحالي المبني على اساس الولاءات والانقسامات المذهبية والطائفية ، ويجب أن تدرك بأن التبعية للمذاهب والايديولوجيات الطائفية هي إحدى أخطر الأدوات التي سلمت العراق لقمة سائغة بأيدي أعدائه وحولته إلى بلد تابع ومنزوع السيادة.
والخلاصة نقول تبقى السيادة "صناعة محلية" ولا تمنح من الخارج ولا احد يحترم سيادتنا ما لم نصنعها بأنفسنا.