ترامب والانتخابات .. نصف نجاح ونصف فشل

آراء 2018/11/11
...

 حازم مبيضين 
بغض النظر عن تغريدات ترامب الشعبوية فإن الانتخابات النصفية وزعت السلطة التشريعية. حافظ الجمهوريون على تفوقهم في مجلس الشيوخ، واستعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب. وكانت هذه النتائج جرس إنذار في أروقة الجمهوريين فقد أظهرت نتائج بعض الولايات المتوقع أن تلعب دورًا حاسمًا في معركة الرئاسة المقبلة مشهدًا ملتبساً ضبابيًا حول من يحكم أميركا بعد عامين من الآن. فقد كسر الديمقراطيون هيمنة الجمهوريين على مجلس النواب، بحيث أصبح لهم رأي بما يحدث على الساحة السياسية الأميركية، وبامكانهم مساءلة الرئيس وإدارته، وأصبح لهم دور في تعيينات المناصب العليا. 
ليس مؤكداً أن يتمكن الديمقراطيون من وقف سياسات ترامب، ولكن المؤكد أنهم سيقيّدون قدرته على تمرير سياساته، خاصة الداخلية والتعيينات. والأهم أنه سيمنحهم الفرصة للشروع بإجراءات عزله، إذا اثبتت التحقيقات تورطه في مخالفات خطرة، خصوصاً التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية، ومع التأكيد على التعذر من عزله، لأن ذلك يتطلب الحصول على أغلبية في مجلس الشيوخ، والمهم أن الانتخابات النصفية، التي تعتبر استفتاءً على سياسات ترامب، أظهرت انقساماً حاداً بالمجتمع الأميركي، وبالتحديد حول السياسات الداخلية كالهجرة والمرأة وحقوق الاقليات، وليس بالضرورة حول السياسة الخارجية، لأن الانتخابات التشريعية تغلب عليها القضايا المحلية. اعتبر ترامب نتائج الانتخابات نجاحا هائلا، نظراً لاحتفاظ حزبه الجمهوري بالأغلبية في مجلس الشيوخ. وهو اعتبر الانتخابات استفتاء شخصيا على رئاسته، مع انها عكست حالة الاستقطاب الحاد الذي خلقته سياساته، فقد اندفع جيل الشباب والنساء والاقليات لدخول السباق الانتخابي وهو ما انعكس في حصول هذه الفئات على تمثيل أكبر في مجلسي الكونغرس بعدما فتح باب استخدام ترامب والحزب الجمهوري شعارات عنصرية ورفع راية كراهية الآخرين أبواب الاستقطاب على مصاريعها فصار أعضاء بعض فروع الحزب الجمهوري بيضا فحسب، فيما عكس الديمقراطيون مزيدا من التنوع العرقي واستطاعوا جذب الشباب والنساء والاقليات. وإذا كانت نتائج الانتخابات تدل على أن ترامب ساهم في شقّ الأمّة وحرّك النزاعات التاريخية العميقة ، لكنّها تدلّ أيضا على أن مسعاه أضفى الحماس على السباق الانتخابي وحرّك ديناميّات حادّة تناقض أجندته. قد يلجأ ترامب إلى الأوامر التنفيذية، إن لم يتمكن من ضمان تعاون الكونغرس، وقد يجد نفسه مدفوعا للعمل مع الديموقراطيين، محاولاً تجنّب سلسلة من التحقيقات المتعلّقة بالرقابة، فقد وضع رؤساء اللجان الديموقراطيون، لائحة بمذكرات الاستدعاء وطلبات للحصول على وثائق، دعا الجزء الأكثر حدّة بينهم إلى العمل على عزل ترامب، وإذ يدرك الديموقراطيون، أن الرغبة شيء والواقع شيء آخر. 
قد يناورون في إطار القضايا الصعبة، مثل التجارة والهجرة والضرائب، على أساس الحدّ الأدنى الذي يمكنهم تحقيقه في شأنها وهو إيصال وجهة نظرهم، وربّما يذهبون إلى أبعد ما يكون بناء على الحد الأقصى، وهو عرقلتها. ومع ذلك سيحاولون التوصل الى تسويات تسعي لتعاون الحزبين، وسيحاولون الاستفادة من النصر الذي حقّقوه، لإبداء رؤيتهم ونظرتهم للأمور والقضايا، فضلاً عن اعتباره نقطة انطلاق من أجل التعامل بذكاء، لمحاولة القضاء على فرص ترامب في انتخابات العام 2020. كشفت الانتخابات النصفية عن عيوب لدى الحزبين. 
في الوقت الذي سعى فيه الديموقراطيون إلى الإطاحة بمرشحين محافظين كانوا على توافق تام مع ترامب، عزّز الجمهوريون سيطرتهم على مجلس الشيوخ، خسر الديموقراطيون على أكثر من مستوى، خصوصاً في السباقات التي جرت في ولايات مهمة بالنسبة إليهم، وفشلوا في إطاحة شخصيات جمهورية كانوا يكرهونها ويعوّلون على التخلّص منها. والجمهوريون ليسوا في أفضل أحوالهم، وقد قدمت الانتخابات النصفية أدلة على ذلك. فغالبية القاعدة الانتخابية الجمهورية من البيض المحافظين ثقافياً، في بلد ينمو أكثر اختلاطاً وتحملاً لثقافات مختلفة. ما يعني التحذير من أن الضواحي، التي شكّلت حجر الأساس للحزب الجمهوري على مدى نصف قرن، تتحوّل في شكل متزايد إلى مناطق ديموقراطية، فيما يتسارع خروجها، من تحت جناح الحزب الجمهوري. 
سيمنح البعض للرئيس الفضل في حفاظ الجمهوريين على الأغلبية في مجلس الشيوخ، وهو أظهر أنه رئيس قادر على جذب نسبة كبيرة من الاصوات، وهو من وراء كل ذلك ثبّت نفسه مرشّحاً عن الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية عام 2020، معتمداً الستراتيجية ذاتها التي اعتمدها في الانتخابات الرئاسية السابقة. ولكنه، إضافة إلى الحزبين الجمهوري والديموقراطي، سيكون أمام واقع مختلف خلال السنتين المُقبلتين. من جهة، سيعمل الديموقراطيون على اعتماد الحرب الناعمة من خلال استثمار الانتصار الناقص الذي حقّقوه، من دون أن يدخلوا في مواجهات صعبة وخاسرة معه. ومن جهة أخرى، سيكافئ ترامب نفسه، بالمثابرة على تمرير أجندته، تارة بالتسوية وطوراً بالتصدي والتحدي.