ترجمة: خالد قاسم بيتر بومونت
أجريتْ مؤخراً الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسيَّة التونسيَّة بمشاركة أكثر من عشرين مرشحاً، وكان من بينهم قطب الإعلام نبيل القروي وهو خلف القضبان. تعد تونس آخر دول الربيع العربي التي لا تزال تسير على النهج الديمقراطي، بعد انحدار مصر باتجاه الدكتاتورية ومواجهة سوريا وليبيا حربين أهليتين.
لكنَّ تونس وضعها مختلف، فقد بدأ نبيل القروي إضراباً عن الطعام قبيل الانتخابات، ويمتلك قناة "نسمة" التلفزيونية غير المرخصة والتي استغلها لتعزيز طموحاته السياسية. واعتقل القروي في آب بشبهة التهرب الضريبي وغسيل الأموال، وهي اتهامات يقول مؤيدوه إنها ذات دافع سياسي.
يعدُّ اعتقال هذا الناشط الإعلامي ورقة رابحة وسط الصراع طويل المدى على التفوق السياسي في هذه الديمقراطية الناشئة، إذ تشهد تنافس حزب النهضة الإسلامي المعتدل ضد المعارضة المنقسمة المعادية للإسلاميين.
تأتي جاذبية نبيل القروي ضد الشعور المتزايد بخيبة أمل الناخبين من زعماء البلاد السياسيين الذين أخفقوا بتحسين حياة المواطنين العاديين منذ بدء الربيع العربي هناك عام 2011 بإسقاط زين العابدين بن علي.
يوصف الاعلامي القروي أحياناً بالنسخة التونسية من سيلفيو برلسكوني، لكن في الواقع هو شبيه أكثر برب الأسرة الثري في المسلسلات العربية، أي رجل تأثر بالمأساة والنجاح وهي صورة أوصلها بمهارة الى جزء كبير من فقراء المجتمع التونسي والذي لا يزال منفصلاً عن الاتجاهات السياسية الرئيسة.
استخدم هذا الإعلامي قناته لبث صور لنفسه وهو يوزع المساعدات من منظمة خيرية عائليَّة بين الفقراء، وهو مظهر ماهرٌ ويحظى بشعبية أحياناً مقارنة مع منافسيه. أما بالنسبة للنخبة السياسية العلمانية الثرية التي دعمها سابقا فتراه تهديداً، بينما لا يزال بعض الإسلاميين لم يسامحوه على بثه الفيلم الفرنسي الايراني بيرسبوليس للكاتبة مرجان ساترابي عام 2011.
استغلال السلطة
يعدُّ يوسف الشاهد رئيس الوزراء الحالي من بين أبرز منافسي القروي، ويلقي مناصرو هذا الأخير باللوم عليه لقيامه بحبس زعيمهم وهي محاولة منه لإعاقة حملته الانتخابيَّة. ويعتقد فريق القروي داخل مكاتب حملته بالعاصمة تونس أنَّ ذلك التحرك ضد مرشحهم قد يكون عاملاً ايجابياً لمصلحته، فقد خدمه بسبب الهجمات المستمرة ضده عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتي أبقت اسمه متداولاً.
يقول المتحدث باسم القروي، عبد العزيز بلخوجة: "كانت كل المؤشرات قبل اعتقاله تشير الى تقدمه بفارق 10 نقاط مئويَّة، لذلك نشعر بالثقة". وأضاف أنهم أداروا الحملة بدون وجود مرشحهم ومع تجميد كل حساباته، "بدأ إضرابه عن الطعام لعدة أسباب، يأتي في مقدمتها أنه يريد حق التصويت والاعتراف بحقوقه المدنية".
كان من المفترض إجراء الانتخابات الرئاسيَّة خلال وقت لاحق من الخريف بعد الانتخابات البرلمانية، لكن موعدها تقدم فجأة بسبب وفاة الرئيس باجي قائد السبسي أواسط الشهر الماضي. ويرى مراقبون أنَّ الحملة متقاربة جداً بين المتصدرين الى درجة أن جزءاً من النقطة المئوية قد يحسم من يذهب الى التصويت النهائي.
يفترض أنْ يكون دور الرئيس أقل أهمية من البرلمان ورئيس الوزراء، لكنَّ السبسي حاول كسب المزيد من السلطة والمكانة وقدّم نفسه تجسيداً معاصراً لمؤسس البلاد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وصولاً الى ارتدائه الطراز نفسه من النظارات.
لقد عانى الاقتصاد التونسي، وخصوصا قطاع السياحة، منذ الهجمات الارهابية التي وقعت عام 2015 على موقعين سياحيين، وهما منتجع سوسة ومتحف باردو، ما تسبب بمقتل 60 شخصا. وكان معدل البطالة 12 بالمئة قبل الربيع العربي، وقد ارتفع الآن الى 15 بالمئة على مستوى عموم البلاد، ومن المتوقع أن يرتفع الى أكثر من 30 بالمئة لدى بعض المدن، ما دفع بعض الناخبين للتعبير عن حنينهم لنظام ما قبل الثورة.
وقد أعلنت لجنة الانتخابات التونسية أحقية القروي بالترشح، لكن من غير المعلوم ماذا سيحدث اذا ما فاز في الجولة النهائية، ما قد يفرض أسئلة دستورية اذا بقي داخل السجن.
تعليقا على أهمية الجولة الأخيرة من التصويت، قال المتحدث باسم البعثة الدولية المشتركة لمراقبة الانتخابات إنَّ التونسيين هذه المرة أكثر تركيزاً على القضايا اليومية، إذ "عاقبت انتخابات 2011 النظام السابق واحتفلت بالحرية، وفي العام 2015 كانت قضية الهوية، من كان إسلامياً ومن لم يكن، أما السؤال الآن الذي يطرحه الناخبون على السياسيين فهو: ما الذي ستفعلونه لنا؟ ويحظى الاقتصاد بالأولوية".