أولا) عدنان محسن الشاعر/الناثر يمسك بالمتاهة ليملأها بالثرثرة، الكتابة تدوين، الثرثرة شفاه، وفق هكذا معادلة نجد الشاعر عدنان محسن، يطلق ثرثرته من خلال الكتابة، رغم إعلانه عن الأولى واخفائه للثانية، هذا ما يعمل على صناعته الشاعر العراقي/الفرنساوي في كتابه - وحدي اثرثر في المتاهة -والذي جنسه بـ -نصوص -والصادر عن مكتبة سطور، هل فعلا تحول العالم الضاج بالأسئلة والقلق والإقصاء إلى متاهة، هذا المكان الواقعي أو المفترض الذي يعمل الشاعر على استفزازه من خلال الثرثرة، ولكن هل كانت الجغرافيا تمتلك كل هذه العدوانية التي تتمكن من خلالها من تحويل ما ينتمي للحلم أو الوضوح. أو إلى اللاواقع، وتحويل الأفكار والتصورات واللغة إلى كائنات ترتدي معطف الغموض والفوضى والارتباك، يبدو أن الجغرافيا الجديدة /البلاد الأخرى لوجود الشاعر لم تتمكن من أن تتحول إلى كائن أصيل/بلاد اليفة، متخلصة من تصنيفـات الكائن/الجغرافيا البديلة، والتي لا قدرة لها على تحويل الماضي إلى نقاط إضاءة، واستحداث تاريخ مستقبلي يوفر للشاعر فضاء من الاطمئنان والانتماء، (وحدي اثرثر في المتاهة) مجموعة أفعال كتابية/نصوص تنتمي إلى اللغة الأم/النثر، حيث الوضوح الشديد الذي تتطلبه البلاغة، وحيث الاقتصاد الذي توجبه الأفكار، حيث التصورات التي تفرزها ذهنية الكاتب /الشاعر، ليتأكد القارئ من شعرية الجملة النثرية التي يكتبها الكثيرون من الشعراء تؤكد على أن القوانين التي وضعها الفراهيدي لم تعد تشكل قانونا لازما، والتخلي عنها لن يلغي شعرية النثر، وأن كانت مهمة الكاتب في اتخاذ النثر وسيلة للقبض على شعرية الجملة هي مهمة تنتمي إلى المغامرة والذهاب بعيدا إلى حيث الكلام الذي لم يقله سواه، بعيدا عن المستعمل والمستهلك، البعض من الشعراء راح يعمل على تأكيد النغمة أو النبرة أو موازين الكلمات، في الوقت الذي يعمل فيه البعض الآخر على صلات وعلاقات الكلمة بما يسبقها وما يليها من أجل إنتاج نوع من الموسيقى الداخلية غير الخاضعة لسواها، وضرورة الاستعانة بالفنون الكتابية والبصرية الأخرى من أجل التخلص من مجانية المتداول.
ثانياً)عدنان محسن، واحد من شعراء الكتابة النثرية -قصيدة النثر/النصوص، انه يكتب بعيدا عن ركوب موجة المصطلحات، وما يتم إطلاقه من تسميات ومفاهيم و قيم، في كتابه هذا -وحدي اثرثر في المتاهة-لم يعلن عن تأثره، أو عن تبعية منجزه الإبداعي للفضاء الذي يحيط به/الثقافة والأدب الفرنسيين، رغم اتخاذه لفرنسا بلادا بديلة، منذ ما يقارب أربعة عقود، رغم السلطات التي تطلقها الثقافات الأوربية وتحولاتها في الكتابة والحياة، ربما هو من القلة القليلة من العراقيين، هو صاحب تجربة معرفية متراكمة، فلم يشكل التاريخ الشعري الفرنسي مصدرا أساسيا أو بديلا للمنجز الإبداعي العربي لكتاباته، مئة نص شعري/كتاب مفتوح، قد يحسبه القارئ بأنه شاعر غير مطلع على الثقافات الأخرى/الأوربية عامة والفرنسية خاصة، ولم يقم بالترجمة الى العربية الكثير من الكتابات الشعرية/الفرنسية - ارشيف السريالية/حوارات حول المسألة الجنسية ومختارات شعرية ل--مالكوم دوشازال مثالا --كأن لم يعقد صداقات وعلاقات ثقافية مع إعلام الإبداع في البلاد البديلة، قد يحسبه القارئ إنسانا /مثقفا غير مهتم بالتحولات والتطورات، وما يطرأ على المدونات الشعرية من ثورات ومغامرات تنتمي للحداثة أو المعاصرة.
ثالثا)عدنان محسن وعبر مائة نص شعري لا يجده القارئ متأثرا بـ (رامبو أو بودلير أو اراكون)، أو صاحب جائزة نوبل -سان جون بيرس- كان لم يقرأ لـ انسي الحاج أو لشوقي ابي شقرا، أو لأدونيس/علي أحمد سعيد، أو لصلاح ستيته أو ليوسف الخال-أن وجود الشاعر في بلاد الفرنجة ،ومنذ عقود وفر له نوعا من المناعة الثقافية و الوقاية من الانجراف مع التيارات الفوضوية، و التنكر لثقافته الشخصية والجمعية، التي تشكل بالنسبة له أكثر من دريئة، من اجل مقاومة فوضى للاستقبالات، ربما هو الوحيد ممن تحصن بالمنجز الشخصي على المستوى المبنى والمعنى، حيث يتشكل الموقف الإنساني حول ما يدور في عالمنا من أحداث وحروب وغزو واحتلال والعنف وإلغاء الآخر، الحصانة المعرفية والفكرية والثقافة المنتمية إلى الأدب /الشعر وفرت له الكثير من الاستقلالية في الاستقبال والتلقي وفي الكتابة والبث وفي الانتقاء، (نصوص الدعابة السوداء/ يوميات عدنان محسن/رسائل إلى كوديا)ما هي إلا افعال حياتية ومحاولات في التخلص من تأثيرات الآخر، سواء كان هذا الآخر عراقيا أو عربيا، أو أوربا/فرنسيا، لتتم له الكتابة، كتابة قصيدته لا قصيدة الآخرين، شاعر ممتلئ بالأفكار والمعاني والتصورات والتجارب، قد لا يجد القارئ على سطح الكتابة ما يثير كوامنه /هواجسه، إلا أن أوجه الاستقبالات لا حصر لها، عند هذا الوضع القراءاتي تتم عملية الاختلاف ما بين الشاعر والقارئ، -عدنان محسن- شاعر يحاول أن لا يقول كل ما لديه مرة واحدة، وأن لا يقول ما قاله الكثيرون عربا وأجانب، أو ما لدى الآخرين، إذ أن القصيدة/اللغم لا تسفر عن نفسها/قوتها إلا حين تنفجر، محافظة على الثورة/الانفجار والدهشة/القلق، إنه يدرب قصيدته على الحفاظ على أسرارها قدر الإمكان، وأن شعرية العبارة يتم اكتشافها من قبل القارئ بعيدا عن الظاهرة الصوتية/المنبر، إنها نصوص تختصر استجاباتها عبر القراءة فحسب، متخلية عن قدرات الشاعر الشفاهية في صناعة المتلقي /المستمع، في الوقت الذي يؤكد فيه النص النثري الذي يكتبه -عدنان محسن -على الوجود الفعلي للمتلقي/ القارئ.