اسطنبول / فراس سعدون
زاد الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، وكبار المسؤولين في حكومته، الضغط على الولايات المتحدة الأميركية، لدفعها نحو بدء إنشاء المنطقة الآمنة في شرق الفرات / شمال شرق سوريا بأسرع وقت ممكن، وبينما قلص اردوغان مهلة إنشاء المنطقة الموعودة، زاد من أعداد السوريين الذين يستهدف إعادة توطينهم في تلك المنطقة.
مهلة قصيرة
وقال اردوغان، في كلمة بأنقرة، عن المساعي التركية - الأميركية لإنشاء المنطقة الآمنة «في هذه المسألة التي خطونا بها مع أميركا نريد ظهور نتائج سريعة... خلال أسبوعين إذا لم تظهر أي نتيجة سنقحم خططنا الحركية».
ويتزامن هذا الضغط مع استمرار عمل مركز العمليات التركي – الأميركي الخاص بتنسيق جهود إنشاء المنطقة الآمنة وإدارتها، طبقا لاتفاق أبرم، في 7 آب الماضي، بين عسكريين أتراك وأميركان.
وسيّر مركز العمليات المشتركة، الواقع في قضاء أكجا قلعة التابع لولاية شانلي أورفا الحدودية مع سوريا، دوريات برية وطلعات جوية لاستطلاع المنطقة الآمنة المفترض إنشاؤها شرق الفرات حيث معاقل التنظيمات المسلحة الكردية، وعلى رأسها وحدات حماية الشعب، وحزب العمال الكردستاني، ولكن حتى الآن لا يوجد وضوح أميركي بشأن موعد إنشاء المنطقة الآمنة، وعمقها، ومن سيسيطر عليها.
وتريد أنقرة منطقة بعمق أكثر من 30 كم، وامتدادا يصل حتى الحدود العراقية، تكون خالية من التنظيمات الكردية المعادية لها، وخاضعة لسيطرة القوات التركية بشكل كامل أو مشارك.
توطين واسع
وكان اردوغان يتحدث قبيل انعقاد قمة أنقرة الثلاثية بينه وبين نظيريه الإيراني والتركي عن نية إعادة توطين مليون سوري في المنطقة الآمنة، للتخفيف من أعباء استضافة تركيا لملايين السوريين، غير أنه صار يتحدث عن إمكان إعادة توطين مضاعفة.
وذكر “بناء على عمق المنطقة الآمنة، يمكننا توفير مستوطنة لما بين مليونين وثلاثة ملايين من طالبي اللجوء السوريين الموجودين حاليا في تركيا وأوروبا عن طريق تأمين شرق الفرات”، مضيفا أن تركيا تنتظر دعما أقوى من الدول الأوروبية بشأن إدلب وشرق الفرات.
وتعد محافظة إدلب، المعقل الأخير الكبير لمعارضي دمشق، سدا بشريا يحتجز 4 ملايين نسمة، وهو رقم يهدد تركيا بموجات نزوح هائلة إذا ما قررت القوات السورية / الروسية استعادة السيطرة على المحافظة وطرد التنظيمات الإرهابية منها.
وأفاد اردوغان “نستضيف 3.6 مليون سوري في أراضينا، وأكدنا مرارا أننا لن نستطيع تحمل أعباء 4 ملايين آخرين إن لم نتمكن من إحلال التهدئة في إدلب بسرعة”.
وصرّح سليمان صويلو، وزير الداخلية التركي، بأن تشكيل المنطقة الآمنة يسرع عمليات العودة الطوعية للاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم.
وقال، خلال مؤتمر دولي للأمن في أنقرة، إن 354 ألف سوري عادوا بشكل طوعي إلى مناطق الشمال السوري، ومنها جرابلس والباب وعفرين، بعد أن حررتها القوات التركية من سطوة التنظيمات المسلحة في عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون بين 2016 و2018.
ويعتزم الرئيس التركي بحث ملف المنطقة الآمنة مع قادة العالم في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد يكون في مقدمتهم نظيره الأميركي دونالد ترامب، في حين تترقب الأوساط التركية أن يعود من الاجتماعات بقرار يحدد الموقف من المنطقة الآمنة.
وقال اردوغان قبيل مغادرته إلى نيويورك “سنطرح ما نفكر ونعتزم القيام به حيال التطورات في بلدنا والمنطقة والعالم بشكل واضح وصريح أمام ممثلي جميع البلدان في اجتماعات الجمعية العامة، وخلال لقاءاتنا الثنائية مع رؤساء الدول”.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤول أمني بارز قوله إن السلطات التركية أرسلت أطباء من مدن كبرى إلى ولايتي شانلي أورفا وماردين الحدوديتين، كما ألغت إجازات الأطباء في الولايتين استعدادا لعملية عسكرية محتملة.
تحليل الضغط
ورأى مهند حافظ، الباحث في الشؤون التركية – السورية، أن “تركيا جادة في ما تقوله، لاسيما انها تلوعت في ملف منبج سابقا، ولن تستطيع أن تصبر أكثر”، مستدركا “لكن هل من الممكن لتركيا أن تقوم بعمل عسكري منفرد؟ أظن أن الأمر ليس بهذه السهولة، وليست أميركا فقط ستمانع شن هذا العمل شرق الفرات، فالمنظومة الدولية عموما، والاتحاد الأوروبي ضمنها، لن تقبل بهذا العمل”.
وذكر حافظ أن “هناك تفاهمات تجري الآن، وان وفدا من الرئاسة التركية سيزور الولايات المتحدة، فإما سيعود بإيجابية لإقامة المنطقة الآمنة، أو لا، وحينها سنرى ماذا يمكن لتركيا أن تفعل شرق الفرات، وإذا كان العمل العسكري واردا فأظنه سيكون محدودا ولن يكون كبيرا ومديدا”.
وقال حافظ، لمراسل “الصباح” في اسطنبول، إن “تركيا تريد أن تثبت للعالم أجمع، وفي مقدمته أميركا، أنها قادرة على تنفيذ عمل عسكري شرق الفرات لحماية أمنها القومي”.
وعلق الباحث على تصريحات اردوغان عن إعادة 3 ملايين سوري إلى منطقة شرق الفرات “لا أظن أن المنطقة هناك مؤهلة للسكن، وتتسع لهذا الكم الكبير من النفوس. لم تكن هذه الأعداد موجودة في تلك المنطقة قبل الأزمة السورية لتكون بعد الأزمة، إلا إذا كان هذا وضعا اضطراريا أو مؤقتا وليس دائما، وأظنها مناورة سياسية للضغط على المجتمع الغربي ليعطي تركيا ما تريده من عمق 30 كم في المنطقة الآمنة، وهذا ما تريده تركيا على أرض الواقع ليس أكثر”.
وعقّب حافظ على مصير الاتفاق التركي – الأميركي بشأن المنطقة الآمنة، بعد ضغط اردوغان وتهديد وزير دفاعه، بأن “الاتفاق قد لا ينجح وقد لا يفشل، أي ربما تحقق تركيا بعضا مما تريده، وفي الوقت نفسه تضغط أميركا على تركيا في بعض النقاط، أي من حيث عمق المنطقة وامتدادها”. وأوضح أن “تركيا صرحت مؤخرا بأنها تريد أن يصل امتداد المنطقة الآمنة إلى الحدود العراقية السورية، وهذه مسافة طويلة جدا، وأخمن أن الأمر سيكون كالتالي تركيا ستحصل على منطقة آمنة بعمق أقل، في حين تلتزم من ناحية أخرى بشراء منظومة باتريوت الدفاعية الأميركية، وتوقيف عملية تفعيل منظومة إس – 400 الروسية”. وخلص إلى أن “تركيا تحاول يمنة ويسرى أن ترضي أميركا علها تقبل بما تريده منها، لاسيما أن هناك تصريحات سابقة للرئيس اردوغان كانت لطيفة جدا تجاه الرئيس الأميركي ترامب، وأنه قد يعود لشراء باتريوت بعدما اشترى إس - 400”.