سالم مشكور
العشوائيات والتجاوزات على الأملاك العامة والخاصة في الواجهة مرة أخرى. وفي العراق يجب البحث عمّا ومن وراء طفح كل قضية الى السطح بشكل مفاجئ، ومن يركب موجتها ويستثمرها في أجندته السياسية، خصوصا في الانتخابات.
مشكلة العشوائيات موجودة في كل العالم، لكنها في العراق تبدو أوسع انتشاراً لأسباب عديدة، منها غياب الاجراء الحكومي لمنعها، سواء بمعالجة أزمة السكن من الأساس وغياب برامج لدعم سكن الفقراء وفاقدي المعيل، أو بغياب الردع الآني لمثل هذه التجاوزات. بل أن بعض الأطراف ساعدت في انتشار هذه الظاهرة لأهداف انتخابية عبر تشجيع التجاوز وتثبيته. أحد المحافظين مثلاً قام بتحريض سكان إحدى العشوائيات على البقاء في أرضهم الممنوحة لمستثمر لإقامة مشروع سكني رغم تسلمهم تعويضات من صاحب المشروع، عبر تزويدهم بالخدمات وحثهم على مواجهة أي قوة نظامية لإزالة التجاوز. مستثمر آخر تخلّى عن مشروعه بعدما عجز عن إخلاء الأرض التي خصصت له، بسبب تدخل جماعة مسلحة وحمايتها للساكنين رغم أن كثيراً منهم يركب سيارات حديثة وله مصادر دخل متعددة أو كبيرة. بات الكثير يتربص عملية منح الأراضي، فيبادر الى إقامة سكن عشوائي طمعا في الحصول على تعويض مادي ليعود بعدها الى بيته في منطقة أخرى.
هؤلاء شريحة، وليس كل سكان العشوائيات من هذا الصنف. هناك أعداد هائلة من الفقراء المعدمين ومن العوائل فاقدة المعيل وأيتام الشهداء المنسيين، ممن يصبحون ضحية أي تعميم نشهده في ظل الضجيج القائم حول قرارات إزالة التجاوزات. ضجيج يسهم فيه بشكل رئيس من يريد تسجيل نقاط وكسب اصوات على أبواب الانتخابات المحلية المرتقبة، بتوظيف لمعاناة الناس وتلاعب بعواطفهم.
مشكلة السكن عموماً، ومعها الاعداد الكبيرة للفقراء والمعوزين والايتام تجعل من العشوائيات ظاهرة تتوسع كل يوم وهي، فضلا عن تشويهها للمدن، تشكل بيئة مناسبة لنمو الجريمة والانحراف ومصدراً من مصادر العنف والإرهاب. علاجها يحتاج الى خطوة كبرى “من خارج الصندوق” كما يصطلح على ذلك رئيس الوزراء. نحتاج الى لجنة عليا بصلاحيات واسعة تتجاوز الروتين والقوانين والتعليمات المتضاربة والمعرقلة لأي عمل والمشجعة على الفساد، أوامرها نافذة على جميع الوزارات ومؤسسات الدولة لمعالجة حقيقية لهذا الملف المتنامي والذي يشكل خطراً على الامن الوطني للعراق، من خلال تأمين البدائل للمستحقين الحقيقيين وهو من واجبات الحكومات في كل
العالم.