كرس ستيفنسون/عن صحيفة الاندبندنت / ترجمة – انيس الصفار /واشنطن / وكالات
"دونالد ترامب" والإقالة، ثلاث كلمات أصبحت تشاهد معاً في مقالات أخبار لا حصر لها طيلة السنتين الأخيرتين. كلمة "الإقالة" هذه بقيت تلاحق الرئيس الأميركي بعناد منذ تبوئه منصبه في البيت الأبيض، والى جانب ذلك تصاعدت أعداد الديمقراطيين الذين غدوا مؤمنين بأن سلوكه وهو في المنصب كافٍ تماماً لإزاحته، بينما أكد رئيس لجنة مختصة في الكونغرس الأميركي أن بدء إجراءات عزل الرئيس، دونالد ترامب، سيكون الخيار الوحيد إذا ثبتت صحة الأنباء عن فحوى اتصاله مع نظيره الأوكراني، فلاديمير زيلينسكي.
بيد أن الحزب الديمقراطي يبقى منقسماً بهذا الشأن. فقد عبرت "نانسي بيلوسي" رئيسة مجلس النواب، وهو المنطلق الذي تبدأ منه عملية الإقالة، عن شعورها بالقلق من ان يؤدي الفشل في ازاحة ترامب (نظراً لاحتمال تعطيل مجلس الشيوخ اتخاذ اجراء كهذا) الى وضع الديمقراطيين المعتدلين في وضع حرج امام صندوق الانتخابات في عام انتخابي حاسم هو العام 2020. فقد سبق للحزب من قبل أن حاول استمالة الرأي العام الى فكرة الإقالة عدة مرات، مثلما حدث عندما استدعى "روبرت مولر" للادلاء بشهادته أمام الكونغرس بشأن تقريره الذي أشار الى وقائع معينة يحتمل أن الرئيس سعى فيها الى عرقلة سير العدالة. بيد أن ايا من تلك الوقائع لم يفز بتمرير حكم قضائي، وكانت النتيجة هي أن كل ما بذل لم يفلح في تحقيق الأثر المرغوب.
رؤساء لجان
فتح رئيس اللجنة القضائية في مجلس النواب "جيري نادلر"، وهو ديمقراطي، ما اسماه تحقيقاً لغرض الإقالة، وقد انعقدت جلسة الاستماع العلنية الأولى منه في الاسبوع الماضي. كان نادلر صريحاً وواضحاً بشأن اعتقاده "أن الرئيس تجاوز كل الأعراف والمبادئ التي تكفل ديمقراطية الحكومة وضخّم من سلطة الرئيس"، معنى هذا أنه يجب أن يقال. أما ترامب فقد نفى قيامه بأي سلوك مخالف للقانون.
وقال رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، الديمقراطي آدم شيف، في مقابلة مع شبكة "سي إن إن" امس الاثنين: "في حال سحب الرئيس مساعدات عسكرية بالتزامن مع محاولة إخافة زعيم أجنبي لإجباره على فعل شيء مخالف للقانون، بغية التشهير بمنافسه في انتخابات الرئاسة المقبلة، فإن هناك وسيلة وحيدة مناسبة للتعامل مع الشر الذي يمثله هذا السلوك".
ويشتبه الديمقراطيون في الكونغرس بأن هذا الضغط له علاقة مباشرة مع قرار ترامب مراجعة برنامج المساعدات العسكرية الأميركية إلى حكومة كييف.
وسبق أن دعت المرشحة المحتملة الأخرى عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة المقبلة، إليزابيث وارن، والنائبة الديمقراطية في مجلس النواب، ألكساندريا أوكاسيو- كورتيز، إلى بدء تطبيق إجراءات العزل فورا بحق ترامب على خلفية الفضيحة.
فصول الحكاية
بذا نصل الى احدث فصل في هذه الحكاية التي تزداد تعقيداً على تعقيد. فقد ظهرت تقارير تفيد بأن ترامب طلب من الرئيس الأوكراني "فولوديمير زيلينسكي" اجراء تحقيق في ادعاءات تتعلق بـ"جو بايدن"، وهو المرشح الديمقراطي المتصدر حالياً في سباق الرئاسة. أدت هذه التقارير الى ارتفاع اصوات من بين الديمقراطيين، منهم بعض الطامعين الاخرين بمنصب الرئاسة، تطالب بتصعيد الضغط باتجاه الإقالة. فخلال شهر تموز كان ترامب يعاود الاتصال هاتفياً بزيلينسكي ليطلب منه العمل بتنسيق وتوافق مع محاميه "رودي جولياني". وكان جولياني نفسه، وحلفاء آخرون لترامب، قد وجهوا اتهامات علنية الى "جو بايدن" بمحاولة التدخل في مسار تحقيق يتعلق باحدى شركات الغاز الأوكرانية التي يمثل ابنه "هنتر بايدن" احد اعضاء مجلس ادارتها.
جاءت التقارير متضاربة بشأن وضع التحقيق الأوكراني مع شركة الغاز، ولكن ترامب حاول إثارة الشبهات بشأن زيارة قام بها بايدن لأوكرانيا في آذار 2016، عندما كان نائباً للرئيس، ومارس خلالها ضغوطاً لأجل فصل كبير المدعين العامين هناك. بيد أن التقارير تفيد بأن الولايات المتحدة وحلفاءها والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي كانوا مجمعين على الرغبة في ازاحة هذا المدعي العام، واسمه "فكتور شوكن"، بسبب دوره المتصور في عرقلة تقدم عمليات الاصلاح ومكافحة الفساد. الى هنا لم يظهر ما يشير الى أي ممارسات خاطئة ارتكبها بايدن الأب أو بايدن الابن.
تفيد التقارير بأن مكالمة ترامب في شهر تموز كانت موضوع شكوى تقدم بها مخبر يعمل في جهاز المخابرات رفض البيت الأبيض عرضها على الكونغرس. تشير تلك الشكوى الى ان ترامب ربما يكون قد هدد بمنع المساعدات العسكرية الأميركية عن اوكرانيا ما لم تستجب لمطالبه، ولكن ترامب نفى الأمر وكذلك فعل وزير الخارجية الأوكراني الذي قال: ان موضوع المساعدات لم يطرح خلال المناقشة. بيد أن ترامب لم ينكر تطرقه الى موضوع بايدن في تلك المكالمة.
سلطات الرئيس
يتمتع رؤساء الولايات المتحدة بمدى معين من حرية تسيير شؤون السياسة الخارجية بما يرونه ملائماً، ولكن عدداً من زعماء الديمقراطيين يقولون: ان سلوك ترامب المفترض في مكالمته الهاتفية مع الرئيس زيلينسكي يمكن أن يرقى الى حد التدخل في الانتخابات، وهذا يجعل منه ارضية جديدة للمطالبة بالاقالة. يأتي هذا وسط اجواء تتصاعد فيها مشاعر الاحباط بسبب استغلال البيت الابيض امتيازاته التنفيذية لإيقاف مسار تحقيقات مجلس النواب في تقرير مولر وكذلك مسارات وقضايا أخرى.
رئيسة مجلس النواب بيلوسي لم تشعر بعد بميل لتغيير رأيها، فقد قالت من خلال مقابلة مع اذاعة "ان بي آر" يوم الجمعة الماضي ان تحقيقات مجلس النواب يجب أن تستمر، وأنها لا تزال تؤيد طرح موضوع الإقالة. أشارت بيلوسي ايضاً الى ضرورة وضع قوانين وقواعد جديدة لجعل المواقف اكثر وضوحاً امام أي شاغل للبيت الأبيض في المستقبل.
قالت بيلوسي: "أعتقد بقوة أن علينا تمرير بعض القوانين التي تتيح للرؤساء المقبلين رؤية أوضح. فالرئيس يجب أن يكون خاضعاً لتوجيه الاتهام اليه إذا ما ارتكب خطأ .. وهذا ينطبق على أي رئيس. إذ ليس هناك ما ينص على أن الرئيس معفى من توجيه الاتهامات اليه."
من المقرر ان يلتقي ترامب بزيلينسكي على هامش مؤتمر قمة الأمم المتحدة خلال الاسبوع الحالي، وقضية مكالمة تموز الهاتفية لن تغيب عن ذلك اللقاء. لذا على الديمقراطيين أن يقرروا بأسرع وقت إن كانوا يريدون المضي في إجراءات التصويت على الاقالة رغم قلق زعامة حزبهم من أن تطول الاجراءات وتمتد خلال العام الانتخابي ثم تنتهي بالفشل فتعطي ترامب دفعة وزخماً في وقت التصويت على اختيار الرئيس.
بيد أن قضية أوكرانيا قد تكون حاسمة الأثر بحيث تدفع الامور لتجتاز المنعطف
الفاصل.