شارع الرشيد.. 100 عام من الذكريات

ريبورتاج 2019/09/24
...

بغداد / بشير خزعل 
تصوير/ سامر صالح
على حاله من الفوضى والاهمال يصارع شارع الرشيد بما تبقى من اطلاله التي تمتد جذورها الى 100 عام مضت ، فلم يبق من شناشيله التي نهشت ابوابها وشبابيكها معاول التجار الا مايعد على اصابع اليد، وبحجج الترميم ازيلت الخانات القديمة والازقة الضيقة التي كانت تتعانق بها شناشيل البيوت البغدادية، فغاب عنها ظلها الدائم وفتحت كشوارع تنهش اشعة الشمس اللاهبة المارة فيها ، كل شيء في ذلك الشارع العتيق تغير فلا وجود لاهله الاولين ، اصحاب الحرف والمهن البغدادية الاصيلة ازيلت آثارهم
محال التصوير الفوتوغرافي التي وثقت تاريخ العراق وساسته لاكثر من 50 عاماً كمحال أرشك وعبوش ونوفكس وبابل تحولت  الى ورش و مخازن لبيع الادوات الاحتياطية والاجهزة الكهربائية..فيما طمرت معالم الشارع الاخرى كمكتبة مكنزي المختصة بالكتب والمجلات الاجنبية وصيدلية كاكا الشهيرة  واستوديو جقماقجي والمقهى البرازيلي بمحال ومهن لاعلاقة لها بهوية الشارع التي ترتبط بذاكرة العراقيين .
وكانت امانة بغداد قد فاتحت منظمة اليونسكو لادراج شارع الرشيد في لائحة التراث العالمي، واحتفت العام الماضي بتجاوز شارع الرشيد 100 عام ، بهدف لفت انتباه المجتمع الدولي في منظمتي( اليونسكو) و(اليونسيف) لكون الشارع يمثل هوية بغداد الثقافية.  
 
واجهة سياحيَّة
حتى نهاية سبعينيات القرن الماضي كان شارع الرشيد يعج بحركة المتبضعين ورواد المقاهي والمسارح الى ساعات متأخرة من الليل، إذ كانت في الشارع اكثر من سبع دور للسينما تنتشر على مسافة 4 كيلومترات تمثل طول الشارع من منطقة الباب الشرقي الى باب المعظم...كسينما الحمراء والوطني والرشيد وبروداوي والزوراء والرافدين ومجمع روكسي الصيفي والشتوي، وكان السياح الاجانب يتجولون في شارع الرشيد والسعدون والنهر في اوقات متأخرة من المساء، لان الاسواق والمطاعم والمحال لم تكن تغلق ابوابها حتى بعد منتصف الليل، ولم يكن الشارع يحتوي على اي ورش او محال صناعية ، بل تزين ارصفته عروض محال التحفيات واللوحات واعلانات السينما والمقاهي والمطاعم التي يزدحم فيها المارة والزبائن للاطلاع والمشاهدة او التبضع من الاسواق التي تختلف في بضائعها المحلية ، فقد كان شارع الرشيد واجهة سياحية مهمة في
 العاصمة بغداد . 
 
مطالبة 
 عــدد مــن المـثـقـفـين والمـهـتـمـين بـالـشـأن الثقافي والتاريخي طالبوا بالاهتمام بشارع الرشيد، فهو الاقدم في العاصمة بعمر تجاوز 100 عام ،  الباحث التراثي في امانة بغداد عادل العرداوي قال : “في العام 2013 خلال الاحتفاء ببغداد عاصمة الثقافة العربية،  الحكومة خصصت مبالغ مالية قـدرت بعشرات المـلـيـارات مـن الدنانير لتطوير مدينة بـغـداد القديمة المـمـتـدة مـن الـبـاب المعظم وصــولاً الـى الـبـاب الـشـرقـي، وبالاخص شـارع الرشيد، الذي عد اقدم الشوارع في العاصمة ، إذ تجاوز عمره 100 عـام، بيد ان المبالغ تم تحويلها الى وزارة الــدفــاع لــشــراء الاسـلـحـة ابــان تـهـديـدات عـصـابـات داعــش الارهـابـيـة لمناطق عـدة
 في البلاد”.  واضاف ان” المجالس الثقافية والمؤسسات المهتمة بـالـشـأن الـتـاريـخـي طـالـبـت خــلال نــدوة نظمها نـادي العلوية ، الجهات المعنية متمثلة بأمانة بغداد ووزارة الثقافة بتخصيص اموال جـديـدة لاعــادة تـطـويـر وتـأهـيـل شــارع الرشيد واستعادة دوره الريادي من خلال الحفاظ على النسيج الحضري المتمثل بصورة بغداد القديمة لتعريف الاجـيـال بأهمية عـاصـمـة بــلاد وادي الرافدين. واشــار الـعـرداوي الـى ان الـنـدوة الـتـي حضرتها نخبة من المثقفين والمؤرخين، استعرضت ابرز اللمحات التاريخية لـلأعـوام ( 1921 – 1958 ) خاصة بمجال المقاهي الثقافية والتراثية التي كانت تعد مجمعاً للادباء والفنانين والصحفيين والــشــعــراء، وكــذلــك دور الـسـيـنـمـا الـصـيـفـيـة والشتوية والمسارح والمكتبات ومقرات الصحف والمجلات والمطابع ودور النشر و شارع المـتـنـبـي وســوق الــســراي الـلـذان يـتـفـرعـان من الـشـارع المـذكـور، اضـافـة الـى الفنادق والجسور والـجـوامـع والكنائس والمـعـابـد والابـنـيـة التراثية مثل المدارس والتكايا والخانات وغيرها،  وقد فاتحت امانة بغداد منظمة اليونسكو لادراج شارع الرشيد على لائحة التراث
 العالمي”.  الــبــاحــث الـــتـــراثـــي اوضــــح ان “امـــانـــة بــغــداد احـتـفـت الـعـام المـاضـي بـتـجـاوز شــارع الرشيد 100 عــام، اذ يعود تاريخ افتتاحه الى السلطان العثماني خليل باشا العام  في  العام 1916 ،وبـهـدف لـفـت انـتـبـاه المـجـتـمـع الـدولـي المتمثل بمنظمتي (اليونسكو) و(اليونسيف) والمؤسسات الثقافية ومنظمات المجتمع المدني، الــى اهـمـيـة الــشــارع الـــذي يـعـتـبـر هـويـة بـغـداد الــقــديــمــة، واهــمــيــة تـعـريـف الاجــيــال بـمـكـانـتـه واهميته تمهيداً للمباشرة بمشروع رائد لتأهيله وصيانة مبانيه مع مراعاة الحفاظ على نسيجه
 التاريخي والحضري”. 
 
اهمال 
يقول الناشط المدني والمهتم بشؤون المناطق التراثية لطيف البياتي:  “اغلب ازقة واحياء بغداد القديمة التي تعرف بـ ( المحلة) كانت ترتبط بشارع الرشيد، كمحلة الميدان والعاقولية وجديد حسن باشا والدنكجية  والمربعة وغيرها من المحلات الاخرى وقد اشتهرت بوجود عدد من قصور رجالات الدولة في الماضي ، لكن اغلب هذه المحلات والبيوتات ازيلت وجرى هدمها ولم يبق منها شيء يذكر فاغلبها اما تحول الى محال تجارية او ورش صناعية ، فقد ادى اهمال المؤسسات المعنية بالحفاظ على ارث ومحلات شارع الرشيد الى تهافت المتجاوزين والمنتفعين على الشارع لاستغلال موقعه الحيوي ، الامر الى الذي ادى الى تهديد هوية الشارع واختفاء اغلب معالمه التراثية”.
  واضاف البياتي : “شارع الرشيد من اقدم شوارع بغداد منذ تأسيسه من قبل الوالي العثماني خليل باشا في العام 1916، ويحتوي الشارع من بداية ساحة الميدان وصولاً الى منطقة السنك على اشهر اربعة جوامع تختلف في تاريخ بنائها الذي يعود الى حقب زمنية يرجع بعضها الى العصر العباسي كجامع الحيدر خانة والاوزبكية  وحسين باشا  والاصفية  والمدرسة المستنصرية، ما يعني ان الشارع يحوي خليطاً تراثياً واثرياً أسهم في بناء تاريخنا الحضاري الذي يتعرض
 الى اهمال كبير”.
 
أهل الشارع
 فاضل عبد اللطيف القره غولي 72 سنة من سكنة منطقة الميدان قال : “ولدت في العام 1947 في محلة جديد حسن باشا ، وقضيت معظم طفولتي وسط الشارع وتعلمت في كتابها ثم انتقلت الى مدرسة المأمون التي تبعد مسافة قليلة عن المقاهي الشتوية والصيفية الواقعة في السطوح في منتصف الشارع، واضاف القره غولي : تعرض شارع الرشيد الى اهمال كبير ،خصوصاً بعد العام 2003 وحدثت تجاوزات كبيرة على بيوتاته التراثية وخاناته وبعض المباني التاريخية بحجج واعذار الترميم ثم تحول الامر الى بناء محال تجارية اضرت بشكل وتصميم الشارع التراثي، وطالب اغلب المهتمين بتراث شارع الرشيد جميع الجهات المعنية الى الالتفات الى الشارع واعادة احيائه من جديد من خلال بعض الاجراءات والقوانين التي تنظم العمل ضمن شارع تراثي يسعى جميع العراقيين الى ادراجه ضمن لائحة التراث العالمي في منظمة اليونسكو” . 
 
آراء
المهندس المعماري فريد الشمري مختص بترميم البيوت التراثية  : اشار الى “امكانية  وضع تصاميم عمرانية لشارع الرشيد ومن خلال الاجماع على آراء بعض المثقفين والخبراء الآثاريين والمؤرخين وبالتعاون مع دائرة التصاميم في امانة بغداد لاعادة  رونق الشارع بطرازه القديم من دون تشويه او تجديد يخرب تراث الشارع  ويمكن اختيار ميدان الرصافي وسط شارع الرشيد كافضل الاماكن لاعادة تصميمه كشارع مقاهٍ ومطاعم سياحية ومحال تجارية لبيع التحف والانتيكات والملابس فقط، ثم نتوسع بالتصميم  لتمتد هذه المحال باتجاهين نحو جهة الميدان وجسر السنك، ثم يعاد في الجزء الاخر من الشارع بعد بناية الاتصالات بناء دور السينما والمسارح ويفتح الاستثمار للقطاع الخاص في هذا المجال فقط، على ان تتعهد امانة بغداد بازالة التجاوزات على جانبي الشارع، اضافة الى منح القروض من قبل المصارف الحكومية لرجال الاعمال الموثوقين والمعروفين بنزاهتم
 المهنية”.  واضاف الشمري : “ جزء من المقترح هو ان يخير اصحاب المحال والعقارات باعادة استثمار املاكهم بانشطة جديدة تنحصر في المجال السياحي للشارع والغاء جميع المهن الاخرى التي لا تمت بصلة الى كيان شارع الرشيد وارثه التراثي،لكن المؤسسات المعنية لم تعر اي اهتمام للموضوع، لاسباب كثيرة بعضها خارجة عن ارادتها واخرى بسبب التقاعس او
 الاهمال” .
وقال جبار حسن الونداوي 67 سنة من سكنة الشارع : “الامانة ومحافظة بغداد تتحملان مسؤولية الاهمال والتجاوزات التي تطال الشارع ، وهما ايضاً تتحملان مسؤولية اعادة احيائه من جديد للشروع في المطالبة بضم الشارع الى لائحة التراث العالمي، فقد تجاوز عمره 100 عام وشهد اهم الاحداث التاريخية والسياسية التي شهدها العراق كدولة تأسست بعد افتتاح الشارع في العام 2016 ، وندعو امانة بغداد والمحافظة الى تنظيم جهودهما والبدء بحملة لاعادة ترميم الشارع بما يتناسب مع مكانته في قلوب جميع
 العراقيين” .