يقال إن « الحسجة» التي اشتهر بها اهل الفرات الاوسط هي شكل من اشكال الادب الساخر الذي يرسل عبارات يخفي ظاهرها قصد مطلقها ، فيكاد متلقيها لا يدري أهي مدح أم ذم !!
وفي زمن النظام السابق اشتهرت مقولة امرأة فراتية حين استلمت جثمان ابنها الثاني ملفوفا بالعلم فهتفت» صدام اسمك زين راسي» وكان لتلك العبارة ان ترسلها الى ما وراء الشمس لولا انها تتحمل وجهين في التفسير.
عربيا اشتهرت مصر بظهور كتاب مميزين بهذا الجانب ومنهم « ابراهيم عبد القادر المازني» عبر كتابات لاذعة تنتقد الواقع المجتمعي والسياسي ، وتواترت بعده اسماء كثيرة ومنها : محمود السعدني، أحمد رجب الذي اشتهر بمقالاته اليومية تحت عنوان “نص كلمة”، وعالميا تميز جورج برنارد شو، الحائز على جائزة “الأوسكار” بكتابات ساخرة ما زالت تتداول كأقوال مأثورة وهي تحقق ضربتها البلاغية الساخرة في تناول ظواهر مجتمعية مهمة.
يقول الأديب الفلسطيني إميل حبيبي : “ إن السخرية سلاح يهز عرش الظالمين”، لذا فإن الكتابة الساخرة تحقق شهرة لكاتبها في ظل الانظمة الديكتاتورية وتعتبر متنفسا مجتمعيا يستخدم الكلمة الهادفة سلاحا بوجه الاخر المتجبر، وتزدهر في ظل الانظمة الديمقراطية لكنها قد لا تحقق رواجا مثلما تفعله في الاولى بفعل حرية الكتابة التي تسمح للجميع باستخدام الطرق المتاحة للتعبير عن رفضهم واستنكارهم لحالات سلبية.
محليا كان للكاتب المميز “ حسن العاني” حضورا باذخا في هذا المجال منذ حرر زاوية “ عزيزي عزوز” في مجلة الف باء ، وغالبا ما كان يزور المجلة بعض القراء محاولين التعرف على شخصية الكاتب التي بقيت مجهولة لسنوات وحققت شهرة للمجلة ومتابعة لانتقادها مظاهر كان يصعب الخوض فيها من دون دفع ضرائب جسيمة.. بقي “ العاني” متسيداَ هرم الكتابة الساخرة عراقيا وحاول بعض الكتاب تقليده الا انهم لم يحققوا المساحة المميزة التي احتلها وغالبا ما تسعى عديد صحف ومجلات الى قلمه لتحقق رواجا اعلانيا لمنافذها بفعل متابعة جمهور واسع له.
صدر له مؤخرا كتاب حمل عنوان “ دفتر صغير على طاولة “ بعد اكثر من ست مجاميع قصصية ورواية ، ما يمتاز به هذا الاصدار الجديد هو ابتعاده عن الكتابة الادبية واقترابه مما برع فيه الكاتب من الكتابة الاعلامية الساخرة لذا حمل الكتاب عنوان فرعي “ وجوه وحكايات” وهو اشبه بمذكرات اعلامية لبعض الاعمدة الصحفية التي نشرها وهي جزء من ثلاث عشرة الف مادة صحفية نشرت في منافذ اعلامية مختلفة.. وجوه وحكايات العاني تحمل الكثير من التشويق وهو يسرد مواقف وحوادث حصلت له مع شخصيات سياسية واعلامية واجتماعية توقف عندها ملتقطا ضربات اعلامية اشبه “ بالحسجة” الفراتية لشخصية من غرب العراق تمازجت مع كل جغرافيا الوطن من الشمال الى الجنوب.
الادب الساخرالهادف يكاد يضمحل في وسائلنا الاعلامية باشتراطاته المهنية الحقيقية لكنه بات مزدهرا في مواقع التواصل الاجتماعي ، محققا اتساعا مميزا فيها وباحثا عمن يحق له حمل صفة الفارس الاول في هذا الميدان ، وليس هناك ابرع من شخصية “ حسن العاني” التي هي ثروة اعلامية وادبية تستحق التحية والاشادة.