السعوديون لا يستطيعون مقاومة الغزو الثقافي التركي

بانوراما 2019/09/25
...

 
دونا أبو ناصر
ترجمة: خالد قاسم
 
البحيرة على قمة الجبل ونسيم الهواء العليل مختلفان تماما عن رمال الصحراء المحيطة بمدينة "نورا". لكن مع ذلك تقول انها لا تشعر بالغربة أثناء سياحتها في مدينة طرابزون التركية الغنية بالخضرة.
يوجد مسجد قرب البحيرة ومطاعم تقدم أطباق اللحم والرز السعودية، أما المقاهي فتتوقف عن عزف الموسيقى خلال وقت الصلاة، ولا يلتفت أحد للنقاب الذي ترتديه نورا وسعوديات أخريات.
تقول نورا: "أستطيع عيش حياتي المحافظة نفسها في السعودية لكن وسط محيط جميل وأخضر وأسعار معقولة." ما يبدو مربحا لقطاع السياحة له بالتأكيد انعكاس سياسي على الشرق الأوسط، فالمودة بين السعوديين ومضيفيهم الأتراك تغطي صراع قوى بين الدولتين، اذ تحاول تركيا كسب نفوذ أكبر داخل العالم العربي.
بعد عام تقريبا على مقتل الصحفي جمال خاشقجي على أيدي عناصر أمنية سعودية داخل قنصلية بلادهم في اسطنبول، يبدو أن العلاقات لم تكن أسوأ مما هي عليه. وجه السعوديون غضبهم نحو الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وحكومته، والتي لا تصدق النفي السعودي وكشفت تفاصيل الجريمة المروعة. ومع ذلك يستمر الاختراق الثقافي التركي للسعودية، وتزداد مقاومته شدة.
يستمر السعوديون بمشاهدة المسلسلات التركية المحظورة عبر قنوات كثيرة داخل بلادهم ويتناولون الطعام في مطاعم تقدم المشويات والمعجنات المعروضة من خلال مسلسلاتهم المفضلة، ويشترون الملابس والشموع المعطرة والسجاد التركي.
يستمر السعوديون أيضا بالسفر الى المنتجعات التركية، غير مهتمين بعناوين الصحف السعودية المحذرة من كل شيء، مثل: الاختطاف والقتل.
ويقول بعض الزوار انهم يسافرون لأن سفارتهم لدى أنقرة ما زالت مفتوحة ولا يوجد حظر رسمي، وإذا ما تم فرضه فسيتوقفون مجددا، كما فعلوا عندما حذرتهم حكومتهم من السفر الى لبنان.
 
مصالح متضاربة
تقف كل من السعودية؛ كأكبر دولة مصدرة للنفط عالميا، وتركيا؛ كثاني أكبر عضو ضمن حلف الناتو بعد الولايات المتحدة، على طرفي نقيض من مسائل اقليمية عدة مؤخرا. فقد سعى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لتطبيق سياسة خارجية أكثر حزما، ورفع مستوى التصعيد بتكثيف قصف اليمن، وقاد مقاطعة قطر. أما اردوغان فيحاول إعادة فرض السلطة العثمانية ضمن نطاق النفوذ التقليدي التركي.
تعد تركيا ملاذا لحركة الإخوان المسلمين المحظورة في السعودية والمصنفة كمنظمة ارهابية، ومن جهة أخرى قوضت أنقرة فعليا الحصار السعودي على قطر، وذلك عبر تصدير المنتجات الغذائية اليها. 
تشمل التكتيكات التركية محاولة التأثير في السعوديين عبر قوتها الناعمة، مثل الدراما التلفزيونية والدعم القوي للسياحة في طرابزون، بحسب ما قالته صحيفة عكاظ السعودية مؤخرا. 
يقول كامران بخاري المدير المؤسس لمركز السياسة العالمية في واشنطن: "لا يستطيعون غلق أجهزة التلفاز، ومنع الرحلات الجوية والتبادل الثقافي والقوة الناعمة، إذ اكتسب الأتراك تدريجيا نفوذا داخل السعودية ودول عربية أخرى عبر الوسيط الثقافي."
على امتداد العام الماضي، زار 750 ألف سعودي تركيا، بزيادة نسبة 15 بالمئة عن العام 2017، وفقا لوزارة السياحة التركية. وكان الرقم أقل من 120 ألف عند بداية الربيع العربي عام 2011. غير ان هناك بعض النكسات التي حدثت، وثمة علامات على نجاح الحملة السعودية المضادة، ففي شهري آيار وحزيران حصل تراجع كبير بعدد سياح مدينة طرابزون، كما ذكر فولكان كانتارشي رئيس اتحاد وكالات السفر التركي بمنطقة البحر الأسود. وبدأت الأوضاع بالتحسن بحلول تموز من العام نفسه؛ بعد عودة السعوديين الى موطنهم وتأكيدهم الأمان الذي يعيشه ابناء جلدتهم داخل تركيا.
تظهر طرابزون مدى الاغراء التركي حتى بين المسافرين القادمين من القصيم، والتي تعد قلب الفكر الوهابي السعودي. فبالنسبة لنورا، ذهبت برحلة مباشرة من مدينة البريدة السعودية لمدة ثلاث ساعات الى مطار صغير في طرابزون قبيل توجهها الى بحيرة أوزونغول، وتقول أن مسلسلة تركية تدعى "الحب الأعمى" كانت وراء مجيئها لتركيا.
تظهر جولة حول البحيرة المستويات التي وصلها الأتراك لجعل المكان جاذبا لسكان الخليج، فهذه المنطقة تقع شمال شرق تركيا، وهي أكثر محافظة من مدن مثل اسطنبول، وترتدي معظم النساء الحجاب وملابس طويلة.