بيروت/جبار عودة الخطاط
يتخوف المواطن اللبناني من المؤشرات التي باتت تعصف بالاقتصاد اللبناني والتي تهدده - كما يشيىر بعض المراقبين- بالانهيار ويبدو اليوم أنه لا مناص من التحرك العاجل إزاء حجم التحدي المتمثل بارتفاع سعر الدولار وما يتداوله المعنيون عن قلة المعروض من العملة الصعبة في لبنان.. المصادر الاقتصادية تشير الى أن الدولار وصل إلى عتبة الـ 1700 ليرة لبنانية لدى بعض الصيارفة يوم أمس الجمعة، مما رفع وتيرة القلق لدى اللبنانيين لا سيما الشركات والاقتصاديين ورفعوا الصوت لإيصال خشيتهم الكبيرة للمطالبة بتدخّل السلطات المعنية لتأمين الدولار في السوق بسعر الصرف الرسمي.
هذه الأزمة تسببت بأزمات عديدة بحكم ارتباط دورة الاقتصاد اللبناني بالدولار إذ أن معظم الاستهلاك اللبناني مستورد والقليل منه مصنع محليًا. وحتى هذا الأخير، تتطلب عملية تصنيعه استيراد المواد الأولية اللازمة من الخارج والاثنان يتطلبان وجود الدولار بقوة لذا فان "شحّ الدولار" الذي تشهده السوق الللبنانية هي مؤشر مرعب كما يقول أهل الشأن... لذا فقد ارتفع الطلب على الدولار الأميركي بشكل ملحوظ مما جعل المصارف تلجم عرضها تخوفا من فقدان مخزونها مع اتهامات لبعض الشبكات بتهريب الدولار إلى الخارج عبر الحدود، إذ يتمّ شراء الدولار في لبنان بسعر رخيص وبيعه هناك بسعر مُرتفع.
الى ذلك دخل لبنان مرحلة الإجراءات الاستثنائية وإن لم يتم الإفصاح عن ذلك رسمياً ، فقد تم تقييد عملية فتح الاعتمادات المالية للمستوردين، من خلال تحديد سقوف السحوبات النقدية اليومية، سواء عبر الصرّاف الآلي، أو من داخل المصرف، والتحويل الإلزامي للسحوبات المطلوبة بالدولار إلى الليرة، والامتناع عن تحويل الودائع من الليرة إلى الدولار.
هذه الإجراءات تفاوتت بين مصرف وآخر، إلّا أن القاسم المُشترك بينها، وربّما يكون الأكثر خطورة في الوقت الحالي، هو تمريرها بصمت ومن دون أي إعلان صريح أو تعميم واضح ينظّمها. بمعنى آخر، تُفرَض هذه الإجراءات الاستثنائية - وهي شبيهة بما شهدته اليونان في مراحل متقدّمة من أزمتها - بطريقة انتقائية بين الزبائن، تؤدّي بالنتيجة إلى تحميل "صغار العملاء" الخسائر الأكبر في مقابل تخصيص "الكبار" منهم بمعاملة تفضيلية كما أفاد تقرير لقناة العالم إذ تفيد مصادر في مصارف عدّة بـ "تطور الأزمة في لبنان ، ما أدى إلى تشديد الإجراءات المتبعة في العمليات المصرفية للحدّ من سحب الدولار وإخراجه من القطاع المصرفي".
وتتفاوت هذه الإجراءات بين مصرف وآخر، ومن بينها:
* إيقاف بعض المصارف (غالبيتها صغيرة) عمليات السحب بالدولار عبر الصرّاف الآلي، حتى لو كان حساب العميل بالدولار، بينما حدّدت مصارف أخرى سقفاً للسحوبات النقدية يبدأ من 500 دولار. أمّا بالنسبة إلى التجّار، فقد حدّدت سقوف أعلى بمعدّلات متفاوتة وفقاً لحجم أعمال كلّ شركة.
* إيقاف عمليات التحويل من الليرة إلى الدولار عند السحب والإيداع، وإلزام العميل بسحب الأموال وفقاً للعملة التي لديه فيها حساب مصرفي، أو دفع عمولة لشراء الدولار (3) بالألف في بعض المصارف، وتختلف بين مصرف وآخر ووفقاً للزبون.
* وضع سقوف لكلّ عمليات الصرافة عبر الإنترنت، وإقفال حسابات الإنترنت في حال تكرار عمليات السحب بأكثر مما هو مسموح به يومياً. كذلك وقف عمليات الصرافة على الصندوق إلّا في حالات استثنائية، مثل دفع سند بالليرة لقرض بالدولار، علماً أن بعض المصارف لم تعد تستقبل قيمة السندات بالليرة، بل تصرّ على استيفائها بالدولار.
* إلغاء الحوافز التي يحصل عليها الموظّفون لقاء طلبات القروض، ولا سيّما بالدولار، والمُماطلة بالموافقة عليها، وهو ما يعني عملياً تخفيض القروض الممنوحة إلى مستويات متدنية.
وزير الاقتصاد السابق رائد خوري أشار في معرض تحليله للوضع الحرج الى "انّ سياسة مصرف لبنان تهدف الى ضبط الوضع النقدي والتخفيف من النزيف الحاصل في ظلّ تراجع التحويلات من الخارج، وتأمين احتياطي بالعملات الاجنبية يمكّنه من الدفاع عن الليرة الى حين اتّخاذ الحكومة الاجراءات المناسبة والمطلوبة لمعالجة الوضع الاقتصادي. معتبراً انّ مصرف لبنان من خلال تجميد الاقتصاد وتجميد التحويلات الى الخارج، يشتري مزيداً من الوقت من اجل الحفاظ على النظام المالي المعتمد منذ 30 عاماً، "لأنه للاسف مع ربط كل مقوّمات اقتصاد لبنان بسعر العملة، لا يملك حاكم مصرف لبنان خياراً سوى المحافظة على الليرة اللبنانية"
أما النائب روجيه عازار فقلل من حراجة الموقف وحاول بث روح الأمل قائلاً: "في ظل موجة الشائعات، نتمنى على المواطنين عدم الانجرار الى الحملات المشبوهة التي لا تفيد أحدا والتروي قبل ردات الفعل... يجب مساعدة المسؤولين على الانقاذ، بدلا من أخذنا عن معرفة او غير معرفة الى الانهيار التام".