حسن العاني
لعلها (عركة) عشائرية قلت لنفسي، واعراض مثل هذه المعارك في محلاتنا الشعبية معروفة مثل اعراض الانفلونزا، فقد سمعتُ فجأة جلبة وضجيجاً واصواتاً عالية متداخلة يصعب فهمها او تمييزها، قادمة من الساحة الترابية الواسعة المواجهة لبيتي، ومع أن هذا الحدث مرت عليه بضع سنوات، ولكنني أستذكره كما لو إنه ابن البارحة، حيث سارعتُ وفتحتُ الباب (في محلاتنا الشعبية تخرج الناس عن بكرة ابيها، لعلها تكون طرف خير يسهم في تهدئة الطرفين)، ورأيتُ فعلاً اعداداً كبيرة من المواطنين، في مقدمتهم النساء، والجميع يهرولون نحو مكان التجمهر، فلم أقاوم فضولي، وركضتُ بآخر ما تبقى في العمر من سرعة، فربما يكون لحضوري الصحفي دورٌ في فض النزاع، ومع ذلك كنتُ بعيداً عن نقطة التجمع التي سبقني اليها عشرات المئات..
وأنا الهثُ سألت رجلاً طاعناً في السن ولهاثه علا لهاثي، عما يجري، و(العركة) بين مَنْ ومَنْ.. طمأنني الرجل واخبرني بأن رئاسة الجمهورية الموقرة اوفدتْ لجنة من قبلها للوقوف على مشكلات الناس واحتياجاتهم، وحلّها بصورة مباشرة، وتسجيل اسماء الارامل والمطلقات واليتامى والمفصولين السياسيين والعاطلين عن العمل لشمولهم بهدية عيد الاضحى، ومقدارها 100 ألف دينار، وقبل ان أدعو للرئاسة بالتوفيق، وان يحفظها الله، ولا يعرقل لها معاملة في وزارة او مؤسسة او دائرة تقاعد، انبرى مواطن قائلاً من باب تصويب المعلومة (عمي رئاسة الجمهورية شعليها، هذي اللجنة من رئاسة الوزراء، يعني من الحكومة)، وقبل ان أدعو للحكومة بالخير والحفظ والتوفيق، تدخلت إمرأة وهي تُعّدل عباءتها قائلة (يمعودين.. أول تالي الحكومة توزع هدايا... هاي اللجنة من الوقف السني) وقبل ان ادعو خيراً للوقف السني، اعترضت امرأة تقف الى الجوار بصوت عالٍ وغاضب قائلة (كل هذا الكلام اللي سمعتو مو صحيح... اللجنة دزها الوقف الشيعي) وقبل أن ادعو خيراً للوقف الشيعي ، تدخل مراهق قائلاً (عمي ... هاي السالفة مال الرئاسه والوقف ومدري منو، كلها مو...) غير ان رجلاً في الخمسين من العمر تقريباً، اعترض على المراهق واسكته بخشونة، ويبدو على الارجح انه والده، وقال (بالمختصر المفيد، والصحيح المضبوط، هاياللجنه من وزارة العمل والشؤون الاجتماعيه) وأيدت إمرأة – كأنها متعففة – هذا الرأي عندما قالت (صحيح ... هاي اللجنه من وزارة العمل... وآني سجّلتْ إسمي ويه الارامل، ورئيس اللجنه لزم شاربه وبلغني أراجع يوم 6 شباط حتى اقبض الاكراميه، خلف الله عليه)، أحد الواقفين باغتنا بسؤالها (خاله أم جاسم.. شلون إنت أرمله، أشو أبو جاسم ما شاء الله مثل الحصان.. وعنده محل للفاكهه)، وفيما تعكر الجو بينهما، أسرعتُ الى البيت واصطحبت زوجتي ووقفتُ في طابور العاطلين فيما وقفتْ هي في طابور الارامل، واعطانا رئيس اللجنة (كارتات) وابلغنا بأن الحضور سيكون يوم 6 شباط للمشاركة في انتخابات مجلس المحافظة.. وضحكنا أنا وزوجتي من أعماقنا.. وابلغتُ الحضور بأعلى صوتي (يا جماعه.. تره القضية وما بيها تخص الانتخابات) إلا ان أحداً لم يسمعني.. لأن الحاجة الماسة التي يعاني منها المواطنون جعلتهم يعيشون حلم الاكرامية!!