الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي للصين حفزت العديد من الاسئلة بشأن الموقف الاميركي من التعاون العراقي الصيني او بالاحرى مدى موافقة الحكومة الاميركية على دخول الصين للسوق العراقية بشكل خاص وفي المنطقة بشكل عام من خلال النافذة العراقية .
واذا ما صحت التقارير التي تحدثت عن صفقة تجارية اقتصادية ابرمتها الصين مع ايران بقيمة 400 مليار دولار فان ذلك سيعقد تنفيذ المشاريع الصينية في العراق خصوصا انه يدخل مع الولايات المتحدة باتفاقية ستراتيجية حددت مفاصل الاعمال العراقية الامنية والاقتصادية والسياسية، في الوقت الذي لا تملك الولايات المتحدة تلك القوة التي تمنع ايران من التعاون الستراتيجي مع الصين، ويجب ألا ننسى ان واشنطن عارضت العام الماضي بشدة وطالبت الكويت بالغاء مشروع العقد الذي وقعته مع الصين لاستثمار جزيرة بوبيان .
ان متابعة ملف العلاقات الصينية الاميركية يعطي المسؤولين في بلداننا الكثير من فرص المناورة خصوصا ان التجربة الصينية الاقتصادية اصبحت مصدر الهام للعديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي ليس في منطقتنا فحسب وانما على المستوى الدولي ايضا.
مع دخول الرئيس دونالد ترامب البيت الابيض دخلت العلاقات الصينية الاميركية مرحلة «المنافسة الستراتيجية الشاملة» التي شملت العديد من الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية. هذه المنافسة لم تكن مقتصرة على العلاقات الثنائية وانما انسحبت على التطورات الاقليمية والدولية، خصوصا ان الحكومة الاميركية تحاول التأثير في علاقات الصين مع محيطها الاسيوي واذكاء المشكلات التي تملكها في هذا المحيط.
الولايات المتحدة اصدرت خلال الفترة الماضية وثيقتين ستراتيجيتين مهمتين، الاولى مهتمة بـ « الامن القومي» والثانية تخص «ستراتيجية الدفاع الوطني» وهاتان الوثيقتان تتحدثان عن الصين باعتبارها «تهديدا ستراتيجيا» وتدعو للتعاون والتنسيق مع حلفائها الاقليميين لاحتواء الصين . هذا التصور لا ينحصر عند المسؤولين في ادارة الرئيس ترامب وانما يشمل اوساطا متعددة في مراكز القرار ومراكز الدراسات المؤثرة في الولايات المتحدة التي تعتقد ان النمو في الاقتصاد الصيني تحول الى نموذج للدول النامية التي تريد التنمية والتقدم . في الاجتماع الثامن عشر للامن في اسيا الذي عقد في كانون الثاني من هذا العام في سنغافورة طرح البنتاغون تقرير «ستراتيجية منطقة المحيط الهادئ الهندية» الذي وصف الصين «قوة تصحيحية» تهدف على المدى القصير وبسط نفوذها على منطقة « المحيط الهادئ الهندية» وصولا الى الهيمنة على العالم على الامد البعيد . نائب وزير الدفاع الاميركي « باتريك شاناهان » الذي عرض التقرير على هذا الاجتماع اوضح ان الولايات المتحدة لا تخشى الحرب والاشتباك العسكري في بحر الصين الجنوبي وفي المقابل الصينيون قالوا انهم مستعدون للدفاع عن سيادتهم ونظامهم السياسي. منطقة «المحيط الهادئ الهندية» في هذا التقرير كانت « الاولوية » للولايات المتحدة ولذلك سعت الولايات المتحدة الى استغلال علاقاتها القوية مع استراليا والهند واليابان لتشكيل مجموعة الاربع وهي تسعى الى ايجاد منطقة متماسكة من خلال المساعدات العسكرية والامنية .
ولأول مرة منذ تأسيسه يشهد الاجتماع الامني الاسيوي تغييرا جذريا في محتواه والذي عكس حجم التنافس الستراتيجي بين الصين والولايات المتحدة على خلاف الاجتماعات السابقة الذي كان النقاش يدور حول التهديدات التقليدية كتهديد كوريا الشمالية والامن البحري وقضايا من هذا القبيل ، لكن الاجتماع الاخير بحث عملية تطوير البنى التحتية واثارها الستراتيجية والذي هو في واقع الامر انشاء حزام لمحاصرة الصين من خلال ايجاد نظم متعددة في منطقة «المحيط الهادئ الهندية». النظام الاول يشمل الولايات المتحدة واستراليا واليابان . والثاني يشمل الشركاء الجدد الامنيين للولايات المتحدة مثل إندونيسيا وفيتنام . اما النظام الثالث فيشمل بريطانيا وفرنسا وكندا. وبهذه السياسة تسعى لدخول القوى الغربية في هذه المنطقة . بعد شهر تقريبا من انتشار التقرير الاميركي ، اصدرت الصين وثيقة «ستراتيجية الدفاع الوطنية الصينية» اشارت فيها 10 مرات للمساعي الاميركية وللستراتيجية الاميركية وبنودها والتي بررت فيها ستراتيجيتها الجديدة الاقليمية وتحديدا في ما يتعلق بتوسيع ميزانيتها الدفاعية لمواجهة الستراتيجية الاميركية في المجالات النووية والفضائية والدفاع والمنظومة الصاروخية.
ان انتشار مثل هذه التصورات من قبل الجانبين بشكل رسمي يدل على ان سلوك وافكار الجانبين يسيران بمسار «عدم الثقة الستراتيجي » وانه مرشح للتصعيد والذي يؤثر في علاقات البلدين ويدفع بهما الى تنافس اكبر . وهذا يعني ايضا عدم سماح الولايات المتحدة دخول الصين لمنطقة الشرق الاوسط التي تعتبرها منطقة تخص « الامن القومي الاميركي » اللهم الا على مستويات محددة غير ستراتيجية .