جيش من حملة الشهادات يبحث عن “تعيين” في دوائر الدولة، وفي المقابل جيش من العاطلين داخل دوائر الدولة. باختصار؛ العراق يئنّ من بطالتين؛ ظاهرة ومقنّعة. أفراد الأولى يصرخون لعدم توفر الدرجات للالتحاق بجيش البطالة المقنعة.
هم يبحثون عن تعيين وليس عن فرصة عمل، اي عن راتب شهري يسد حاجاتهم الانسانية بغض النظر عن ممارسة عمل مفيد أو لا. لا يمكن ان تلومهم، فهم بشر ذوو حاجات ولا يمكن للإنسان العيش من دون مورد مالي. لا يمكن ان تلومهم أيضا لأننا شعب اعتاد خلال عقود الحكم المركزي أن يتخرج الانسان فتعيّنه الحكومة في دوائرها لانها تملك كل شيء ولا مجال للعمل خارج القطاع العام. فلا قطاع خاص الّا محال البقالة والحرف البسيطة. فتحولنا الى شعب خامل ينتظر غالبيته نهاية الشهر ليحصل على راتب بسيط.
ذهب النظام الشمولي لكننا لم نغادر عقلية “التعيين” الى ثقافة العمل وايجاد فرصة عمل بدل التعيين القاتل للخبرة والابداع، لأننا لم نحصل على قطاع خاص يستوعب جيوش الخريجين من الجامعات كل عام، ولأننا لا نعرف أمية التعليم المهني، ولأننا ما زلنا نعيش ثقافة تخوين القطاع الخاص واعتباره مستغلاً لخيرات البلاد والعباد. انظر كيف يطالبون بـ” شركة” وطنية للاتصالات مثلا رغم انهم يرون وزارة الاتصالات بكادر يفوق 24 الف موظف غير قادرة على اعادة الهاتف الارضي او توفير خدمة انترنت بشكل لائق وأسعار عادلة كما في الدول المجاورة.
لا يمكننا معالجة هذه الثقافة المغلوطة وايقاف الزحف نحو التعيين المثقل لكاهل الادارة العامة والموازنة التي يخصص أكثر من نصفها للرواتب، الّا بخطوات حقيقية لتنشيط وتوسيع القطاع الخاص. هذا وحده لا يكفي، لأن العراقي ما زال يفضّل الوظيفة الرسمية طمعاً بالتقاعد. هذه المعضلة يمكن حلّها بالقانون المنتظر الذي يجعل العمل في القطاع الخاص خدمة محسوبة للتقاعد، هذا الامر لا يكفي ما لم يقرن بتشديد تطبيق قوانين العمل التي تلزم اصحاب العمل بتنظيم عقود قانونية للعاملين تضمن حقوقهم.
لن نخرج من معضلة البطالة، الّا باقتصاد حرٍّ حقيقي يوفر فرص عملٍ تستوعب جيش العاطلين ويغري جيش البطالة المقنعة بترك الوظيفة العامة والاتجاه الى القطاع الخاص.