هدى محمد حمزة في مجموعتها الشعرية

ثقافة 2019/09/30
...

 أ.د. نجاح هادي كبة
 
 
 هذا عنوان إضمامة شعر للشاعرة هدى محمد حمزة ضمت احدى وعشرين قصيدة نثر يغلب عليها صفة الطول من منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في بغداد العام، وتقع بحدود اثنتين وسبعين صفحة من القطع المتوسط ومركز القصائد: الذكورة والانوثة / الوطن / العلاقة الجندرية والحميمية بين المرأة والرجل ..... وتتخذ الغنائية محورا في انثيالات شعرها وفورانها ابتداءً من العنوان (سأقول غير مايقوله العشّاق) فالعنوان عتبة اولى من عتبات النص وهو كما يقول احد المفكرين (العنوان قبل والعنوان بعد)، وان العنوان هو النص والنص هو العنوان علما ان العنوان مستل من احدى قصائدها تقول:
 صمتي هذا الطائر البري يحرس حضوري حين الغياب فحين تغيب تنوح ولا تنثني سرايا النوى شراك الضنى هذه التي تجيء حثيثا وتجتاحني تلملم وجدي فأرزح تحت نوع الثنايا العالقات تفاصيل ريب تعانق شوقي / ص:7 ولان الصمت كثيرا مايكون مرادفا للبوح أعطته صفة الطائر البري (صمتي هذا الطائر البري) انه صمت يتفجّر به الشوق حد النواح فهي كالطائر الذي يقع في الشرك (تنوح ولا تنثني سرايا النوى شراك الضنى) ويجتاحها الشوق كالسيل (ويجتاحني، تلملم وجدي) لكي تلتحم بالمحبوب (تفاصيل ريب تعانق شوقي) وليكتمل الجزء بالكل كما المتصوفة (وادعوك وقد فاض مني نهر غضوب) ( لاغرق في مغريات البوح البليل) فيتحقق حلم الشاعرة بالبوح (وحيث التقينا يكون الحضور طقسا شهيا) وتستغرب الشاعرة بالحلم ويصل الذوبان الروحي حد لالتحام الجسدي تقول:  
وفي سهوة من فتنة الغبش يندس بدمدمة صوته ولغته الملغزة يمازج انوثتي ورماد روحي يكاد تذوب على سواحل لهفته سطرها هاطل على مخاوفي فالمطر يخصب الارض.
 ولكنّه هنا بدد مخاوفها ودعاها الى الاسترخاء فجسدها يزهر على بوح المحبوب تقول:  واكاد ادع صمت جسدي يزهر على بوح ثناياه.
 ثم تصرح بلا مواربة فتقول: ليطوق اقداس اقانيمي واطل معلقة بوشاح عشقه المتوقّد. إنّ تشبيه اجزاء من جسد المرأة بالاقواس يحيل الى الشفتين والخدين والثديين وغيرها، وهكذا تستغرق الشاعرة بالغياب (الحلم) لتطفئ عشقها وشبقها بأسلوب قدسي لتعلن براءتها منهما براءة الذئب من دم يوسف تقول : بغبطة تسري في متاهتي تراتيل قداس ونسغ معتق. 
 وحين ينتهي استغراق الشاعرة بالغياب (الحلم) مع من تحب تبحث عن فضاء واسع جميل تكمل فيه عشقها فتختار جو البحر تقول:  أأمكث تسائلني للقاء من رسم الغياب عند مقهى الريش خلف صمت الليل عند الليل وملاك الليل يرقبني فيخبرني لا لن يعود فاختارني البحر وقد فض اللقاء. لكن الشاعرة لا تنسى الصراع الذكوري – الانثوي في مجتمعها فالرجل مركز والمرأة هامش على الرغم من ظهور الحركات النسوية التي حاولت اعادة توازن المرأة مع الرجل الا ان الذكوره تعلي من شأنها بأسلوب ديني او قبلي (مكّنته من شرعنة سيادته على المرأة اذ تمكن الرجل فرض سيطرته من خلال المؤسسات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية المعبرة عن الثقافة الابوية لأنه اختلق دعما دينيا يصونه ويذود عنه) القصيدة النسوية العراقية 2003 - 2013 المركز والهامش، شهد سلام. دار الشؤون، ص 54.
 وكانت الشاعرة ذكية في التقاط هذا التهميش للمرأة ودحضه باسلوب ساخر يتم عن ثقافة الشاعرة الجنسوية، تقول : ولدت انثى فأعدوا لي النصال وبكوا _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ فالاسماء لدى جدنا البدوي قبليّة والهوية فرمانات تصور من حفلات التيس الاكبر والمشيئة ذكورية علمونا ان الانثى في القبيلة تهمة وعند الشيعة عدوى (هكذا) وعند السنة خارجية وعند اليهود بغية وبسملوا وفق الاحكام الشرعية _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ فكرهت صقوس الربوبية، ص 21 - 22.
 لقد وصفت الشاعرة تهميش المرأة في مجتمعها بدقة واعطت الاسباب والمسببات باسلوب شاعري لترى ان تهميش المرأة مدعاة لا بتعادها عن طقوس الديني ( ومن ثمّ فالمرأة العراقية المبدعة .... لا يمكنها ان تتجاهل الوضع السياسي الذي يعيشه البلد الذي ينعكس على حياتها بشكل مباشر وتحصر عنايتها في القضايا الانثوية المرتبطة بعلاقتها بالرجل وشعورها بالظلم أمامه لكونها تعيش في واقع سياسي يحمل لها الصورة الاكبر للظلم الانساني) القصيدة النسوية العراقية 2003 - 2013 م ص27.
 لذلك دعت الحركات النسوية المرأة للدفاع عن حقوقها سياسيا تقول الشاعرة في قصيده (مهداة الى الشاعر والمناضل الفريد سمعان) وفيها تؤرخ لقطار الموت الذي قاده عباس المفرجي بسرعة فائقة من بغداد الى السماوة حيث نقرة السلمان فاستطاع ان ينقذ ارواح العديد من السياسيين الذين زجوا في القطار في ظروف غير صحية وأوصلهم بوقت قياسي الى السجن نقرة السلمان وكان من ضمنهم الفريد سمعان تقول: حين امتحنت في القطار الموت لم يغادرك الشعر ولم تغادرك لغة الغزل القديمة كنت مدعواً وكلَّ الرفاق لتحطب من دهاليز الحزن ركنا تغلق مسألة الوجود وتتأمل وطأة الظلمة أيّها العراب المشغول بمكونات وطنك لتوقض شمعة في الرياح وتقبض على مطلع الشمس بيديك، ص:41.
 لا بدّ من الاشارة الى ان الشاعرة لها قدرة على الانزياح الذي اكده جاكبسون وتقع قصائدها في صميم البويطيقيا بقصائد نثر متوهجة .