- 1 -
الشاعر المطبوع رهيف الحسّ، بارع التصوير، بليغ التعبير، وهو يعمد الى الافصاح عمّا يعتمل في نفسه من مشاعر عبر قوافيه الناطقة بإحساساته.
- 2 -
وفي هذه المقالة الوجيزة نورد بعض النماذج الكاشفة عن قدرتهم على الوصف الدقيق والتعبير الأنيق :
قال أحدهم، تشكياً من شيخوخته :
مَنْ رام طولَ العُمْرِ فليدّرعْ
صبراً على فَقْدِ أحبائِهِ
ومن يُعمّر يَرَ في نفسه
ما يتمناهُ لأعدائِه
إنّ ضريبة العمر المديد فقد الأحبة،
ثمّ أنّ الشيخ الطاعن في السنّ يُعاني ألواناً من الآلام والأوجاع التي لايريدها إلّا لخصومه وأعدائه ..
وهجا شاعر آخر أحد الوزراء – وكان ذا لحية – فقال :
من آلة الدست لم يحو الوزير سوى
تحريكِ لحيتهِ في حال إيماءِ
إنّ الوزير ولا أَزْرٌ يشدّ به
مثلُ العَروضِ له بحرٌ بلا ماءِ
علم العروض : هو علم الأوزان الشعريّة .
وهناك بحور للشعر معروفة اكتشفها الخليل بن أحمد الفراهيدي، منها الطويل والبسيط والمديد والخفيف والمتقارب والسريع.. وبحر الشّعر ليس كسائر البحور التي تتلاطمُ فيها أمواج المياه.
إنّها بحورٌ خالية من الماء.. وقد كان الوزير خالياً من كلّ مقوّمات الوزارة.. ولم يكنْ يصلح للنهوض بمهامها على الاطلاق، ومن هنا جاء هذا التشبيه.
وتزوّجت إحدى النساء بشيخ كبير، فلم يوفّق لأداء واجباته الزوجيّة (..)
فقالت المرأة :
عذّبني الشيخ بألوانِ السَّهَرْ
بالشمِّ والتقبيلِ منه والنظرْ
حتى اذا ما كان في وقتِ السّحرْ
وصوّب المفتاح في القفل انكسرْ
والكناية هنا بليغة للغاية ...
والحُرُّ تكفيه الإشارة ..!!
وقال (ابن ورد) المغربي يصف ابنه الصغير :
فلذة كبدي أمسّها بيدي
يقول إنْ حاول الكلام أُغُ
لو أجمع الواصفون ان يصفوا
مقدار حبّي له لما بلغوا
والبيتان جميلان يصوّران شدةَ كلف الوالد بولده الصغير ..!!
وقال آخر :
بغداد دارٌ لأهل المال طيّبةٌ
وللمفاليسِ دارُ الضّنكِ والضّيقِ
أقمتُ فيها مضاعاً بين ساكِنِها
كأنّني مصحفٌ في بيتِ زنديقِ
تشبيه المفلس بالزنديق من أروع ألوان التشبيه، إذ يغدو منبوذا من قبل عامة أفراد المجتمع، وفي هذا من التأزّم النفسي والاحتقان ما فيه...
وقال آخر مادحاً :
يزدحم الناس على بابه
والمورد العذب كثير الزحام
وتشبيه الممدوح بالنهر المتدفّق العذب تشبيه حلو،
وهو تعليلٌ قويٌّ لإقبال الناس عليه، فالرجل الكريم الأصيل مَثَلُهُ مَثُلُ النبع العذب الذي يقصده الورّاد للانتهال منه.