يا للجسور، لا تنهض إلا بسحق حرية الضمير

ثقافة 2019/09/30
...

عبدالزهرة زكي
 
مؤخراً فازت الكاتبة البريطانية من أصل باكستاني كميلة شمزي بجائزة نيللي ساكس الألمانية، لكن لم تمض سوى أيام قليلة حتى سُحبت الجائزة منها.
هذه الجائزة الألمانية تمنح عادةً لكتاب يساعد في مد الجسور ما بين الشعوب ويسهم في نشر قيم التعاون والمحبة. هذا ما يقوله تعريف جائزة نيللي ساكس.
كتاب كميلة شمزي يساعد فعلاً في مد الجسور ما بين الأمم، ولذلك منح الجائزة، لكن لجنة الجائزة رأت في شخص الكاتبة وسلوكها، وليس في كتابها، ما يخالف هذا وما يمكن أن يحطم الجسور. فقد سبق لشمزي أن أعلنت موقفها الداعم لحملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها حتى توقف سلوكها العدائي العنصري ضد الشعب الفلسطيني وتنهي احتلالها.
هذه حملة منظمة تجري عبر العالم بقصد الضغط على السلطات الإسرائيلية لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني. لقد كان آخر، وليس أخير، من انتظم بهذه الحملة العالمية مجلس الآباء المسيحيين في جنوب افريقيا بقرار صدر عنهم أواخر الأسبوع الماضي.
الكتاب والجائزة الألمانية والكاتبة شمزي يلتقون هذه المرة في واحدة من مهازل الجوائز المحكومة بالدوافع المسبقة والموجهة بضغوط السياسة.
الجائزة تحمل اسم الشاعرة والكاتبة المسرحية السويدية الألمانية نيللي ساكس. وكانت ساكس قد ركزت جهداً أدبياً كبيراً لمعاناة إخوانها اليهود في المحرقة وأثناء ويلات الحرب العالمية الثانية، وهذا ما بوأها المكانة التي ظفرت بموجبها بجائزة نوبل. 
بمنظور إنساني أشد عمقاً سيكون سحب الجائزة من قبل اللجنة الألمانية إساءة مباشرة للسيدة اليهودية التي تحمل الجائزة اسمها، لقد عملت الكاتبة السويدية الألمانية من أجل العدل ورفع الظلم وتبديد المشاعر العنصرية ضد أبناء ديانتها فيما يجري سحب الجائزة من الكاتبة البريطانية الباكستانية لا لشيء سوى أنها طالبت بالعدل للفلسطينيين ورفع الظلم عنهم وإيقاف النزعة العنصرية للسلطات الإسرائيلية.
لقد جرى وصف موقف كميلة شمزي على أنه (معادٍ للسامية)، وبموجب هذا الوصف فإن السامية تكون قرينة السلوك العنصري المستبد للسلطات الإسرائيلية، وهذا ما انتبه له بيان وقعه ستون أكاديمياً يهودياً وإسرائيليا حين دانوا الموقف المناهض لحركة المقاطعة واستهجنوا وصف مؤيدي حقوق الشعب الفلسطيني بمعاداة السامية.
جانب مهم من الرأي العام الثقافي في بلدان كثيرة كان ضد قرار سحب الجائزة. ففي خطاب مفتوح نشر قبل خمسة ايام في بريطانيا عبر مجلة تعنى بمراجعات الكتب أكد ما لا يقل عن مئتين وخمسين كاتبا من مختلف بلدان العالم عن تضامنهم مع شمزي وإدانتهم للموقف المتعسف للجنة الجائزة التي اختارت (معاقبة مؤلفة) لدفاعها عن حقوق الإنسان. من بين الموقعين نعوم تشومسكي ومايكل أونداتجي، الفائز السابق بالجائزة نفسها.
لقد تساءل داعمو الكاتبة البريطانية:» «ما معنى أن تقوض جائزة أدبية الحقَّ في الدفاع عن حقوق الإنسان ومبادئ حرية الضمير والتعبير وحرية النقد»؟ ورأوا أنه «من دون ذلك فإن الفن والثقافة يصبحان
 بطراً لا معنى له».