تشترك الكثير من المدن في أرجاء المعمورة بوجود مكتبة شهيرة كانت بمثابة ملتقى اجتماعي وثقافي توعوي، تضع في برنامجها أهمية الترويج للقراءة والكتاب، وفي الوقت الحاضر أخذت مهمة أكثر تخصصاً متمثلة بالترويج للقراءة الورقيّة بعد تزايد أعداد الكتب الالكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الالكترونية التي هي الأخرى أخذت تزاحم الكتاب الورقي وتقلل ساعات القراءة.
قبل أيّام أعلن عن فوز مكتبة (سلافسكي) في ولاية سكسونيا السفلى ثاني أكبر ولاية ألمانيّة، بجائزة أفضل مكتبة لما قدّمته من خدمات معرفية وندوات تعرفية بكتاب، اذ ضيّفت كتاباً مشهورين على مستوى ألمانيا وأوروبا وتقديمهم لروّاد المكتبة وجمهورهم أو قرّائهم في تلك المدنية ومن بينهم الكاتب المجري امري كيرتس، الفائز بجائزة نوبل للآداب 2002، فضلاً عن كتاب آخرين حصلوا على جوائز أدبية وثقافية في ألمانيا واوروبا أغلبهم لم تترجم كتبهم الى العربية حسبما جاء في الخبر الصحفي بفوز المكتبة.
محلياً وعربياً نفتقر لهكذا مكتبات تضع بين مهامها التشجيع على القراءة ووضع برنامج ثقافي يعمل على تكريس القراءة وتقديم الكتاب والأدباء في جلسات حوارية مفتوحة مع الجمهور والقراء، وحتى دور النشر والمؤسسات الأخرى المعنية بالكتاب والتي يفترض أنّها تقوم بهذه المهمة التي تدر عليهم الأرباح في ذات الوقت من خلال حفلات تواقيع كتاب معين أو الترويج لإصدار جديد، لكن الذي يبدو أن الكسل أصاب الكثير منهم، مثلما أصاب المؤسسات المعنية بإنتاج الثقافة والوعي حين انهمكت بمشاريع ربحيّة تعمل على عكس الغاية من تأسيسها..
وحسب التقرير الصحفي، لم تكتف مكتبة سلافسكي بتوفير كلّ تلك الخدمات، فعمدت الى إيجاد "مستشار قراءة" يمكنه أن يقدم خدماته للقارئ عن اي كتاب يروم قراءته متوفر في المكتبة، أو يستأنس برأيه حول أي كتاب يمكن أن يجد به ضالته إن كانت لغرض البحث والدراسة، أو لزيادة المعرفة والوعي، أو للإطلاع وقضاء الوقت بالفائدة عبر القراءة. كما تم توفير مستشار قراءة أيضاً في قسم كتب الأطفال مهمته تقديم الاستشارة لمن يرغب بتنمية أطفاله عبر القراءة والاطلاع والاستفادة من الكتب بشتى الاختصاصات التي تقع ضمن اهتمامات العائلة أو ميول الطفل والفتى.
وبما أنّنا لم نعد نمتلك مكتبة بمواصفات وخدمات (سلافسكي)، وفي الطريق لفقدان المكتبات العامة التي كانت فرصة مناسبة للقراءة والاستفادة من خبرة الموظف المسؤول على كلّ مكتبة عامة، وهنا أقصد الخبرة ومعرفته بكل تفاصيل الكتب الموجودة ومايناسب كلّ زائر وقارئ، وفق ذلك يمكن لدور النشر أو المؤسسات والمنظمات والاتحادات المعنية بالثقافة والقراءة أن تقدم بعض خدمات مكتبة سلافسكي ومنها مستشار القراءة هذه المهمة أو المهنة التي باتت ضرورية لتنقية الذائقة القرائيّة وخاصة الشبابيّة من الأدب السيئ والكتب الرديئة التي أخذت تتسلل بهدوء وتصل الى يد جيل علينا تحصينه من هذه الكتب بشتى أنواعها ومن الخرافات الدينيّة التي يروّج لها، لكن حتماً ليس على حساب حريته الخاصة واختيارته. كما على دور الطباعة والنشر ان تأخذ دورها بهذا الشأن أَي التحصين فخسارة جيل معرفيا وثقافيا ليس من السهل تعويضه، ومثل هكذا خسارة تكلّف الكثير مجتمعيا وفئويا بل حتى شخصيا.
هنا تبدو المسؤولية كبيرة ومشتركة بين كلّ الأطراف والمؤسسات الحكومية والأهلية والاتحادات والنقابات ومنظمات المجمتع المدني ودور النشر أيضا التي عليها أن تضع حسابات الربح بجانب حسابات زيادة الوعي ونشر الكتب التي تسهم بذلك ...