علماء الآثار وتقنياتهم لتحديد عمر المواقع الآثارية القديمة

بانوراما 2019/09/30
...

إرين بلاكمور
ترجمة: شيماء ميران
يقوم علماء الآثار بجمع الادلة لحساب عمر قطع الآثار من خلال مختلف الوسائل؛ من استخدام الكربون المشع الى عمليات مقارنة التصاميم عبر العصور. فعند سؤال عالم آثار عن عمر الموقع الذي يحفرون فيه ربما لا يتمكن من الاجابة على هذا السؤال، ومن هنا قد يكون لديهم تخمين بأنه يمكن تحديد عمر الموقع بدقة بعد ان يتم اكتشافه وتنقيبه.
ان تحديد العمر الآثاري لأي موقع ليس بالأمر اليسير، لذا يملك الباحثون تقنيات خاصة تحت تصرفهم وأساليب تعطيهم التسلسل الزمني التقريبي وأخرى مطلقة، بالاضافة الى طرق اكثر دقة لإثبات عمر القطعة الآثارية.
 
تحديد التأريخ النسبي
لقد تم تطوير التقنيات النسبية في وقت مبكر من تاريخ علم الآثار كمهنة، وتعتبر أقل موثوقية من التقنيات المطلقة عند دراسة عمرها. ويفترض علماء الآثار حسب علم طبقات الارض ان المواقع قد اجتازت مرحلة زمنية في تكوين الطبقات، تاركة الطبقات الاقدم تحت الجديدة منها، والأمر اشبه بطبقة من الكيك او شريحة من اللازانيا، ويفترض ان تكون طبقات الموقع السفلى اقدم من تلك التي فوقها. ويستخدم علماء الآثار ذلك الافتراض الذي يدعى بقانون تعاقب الطبقات ليساعد على تحديد التسلسل الزمني النسبي للموقع نفسه. ثم يستخدمون دلائل قرينة وتقنيات دقيقة لتحديد التأريخ تساعد بتقريب الاشارة الى العصر الذي تعود اليه الآثار المكتشفة ضمن كل طبقة. 
ويمكن ايضا معرفة العصر الذي ينتمي اليه الموقع بطريقة التسلسل حسب الحقب، إذ تحلل مجموعة الآثار المستخرجة من الموقع نفسه احصائيا وتوضع بترتيب زمني، كما يمكن تجميع القطع على اساس النمط او التكرار لتساعد على تحديد التعاقب الزمني.
ان تحديد التأريخ النسبي له حدود وغالبا ما تكون تقنياته غير موضوعية، وربما يكون مكان القطعة الآثارية ضمن الموقع او بالنسبة لقطعة اخرى لا يعكس العصر الحقيقي التي تعود اليه، لان بعض القطع ربما نُقلت الى جوار غيرها في وقت ما. وللحصول على تاريخ اكثر دقة تحول علماء الآثار الى مجموعة متنامية من تقنيات التحديد الزمني المطلق.
 
التحديد الزمني المطلق
لربما تكون اكثر التقنيات شيوعا في التحديد الزمني المطلق هو تحديد التأريخ بالإشعاع الكاربوني، والذي تم تطويره خلال اربعينيات القرن الماضي ويعتمد على التركيب الكيميائي لتحديد عمر القطع الآثارية. ويستخدم لتحديد المواد العضوية، إذ تقيس هذه التقنية كمية تضاؤل نشاط الإشعاع الكاربوني لتحديد عمر القطعة. وكان مخترع هذه التقنية "ويلارد ليبي" قد نال جائزة نوبل عن هذا الاكتشاف.
يقيس تأريخ التألق الحراري عدد السنوات التي انقضت منذ تسخين المواد الحاوية على بلورات معدنية، ويمكن لهذه التقنية ان تعطي تواريخ الرواسب والقطع الخزفية والمواد الاخرى. اما التأريخ الشجري فهو دراسة حلقات جذوع الاشجار ليعطي عمر الهياكل الخشبية والقطع الآثارية.
كما يمكن استخدام انواع كثيرة ايضا من التقنيات التي تعتمد على اساس كيميائي، إذ يجد علماء الآثار أحيانا تواريخ منقوشة على الآثار او مدونة في سجلات تأريخية لتعطي الزمن التاريخي المطلق، مثل اكتشاف الباحثين للآثار التي تركتها الاقدام خلال فترة ما قبل التاريخ في كندا.
ان تحديد التاريخ المطلق له عيوبه فقد تكون تقنياته باهظة الثمن وتعطي نتائج اقل وضوحا مما تشير له سمعة تلك التقنيات. فعلى سبيل المثال تحديد التاريخ بالإشعاع الكاربوني يمكن ان يتم تنفيذه فقط على القطع الآثارية التي يكون عمرها اقل من 62 الف سنة انقضت، والنتائج فيه نطاقات زمنية، ويمكن ازالته عند ملامسة تلك القطع مع اشياء عضوية اقل منها عمرا. ومع ذلك فان تقنيات التأريخ الحديثة وسعت من قدرات علماء الاثار في التركيز على اعمار وتواريخ المواقع.
 
جمع هذه الأدوات معاً
يتم الجمع غالبا بين تقنيات تحديد التاريخ النسبي والمطلق، فعندما جرى استخدام الوقائع التاريخية ونمط الصناعة الفخارية لتحديد تاريخ اكثر دقة لقطعة معينة تم وضعها ضمن نطاق 500 سنة بواسطة التقنية الكيميائية، وتمكن علماء الآثار من حلَّ لغز جزيرة رونوك (مستعمرة في كارولاينا الشمالية اختفت بسبب قلة المحاصيل وخلافات السكان).
وبما ان معظم تقنيات تحديد التأريخ المطلق تستخدم نماذج من المواد التي تم الكشف عنها خلال عمليات الحفر والتنقيب، يحاول علماء الآثار استنتاج تاريخ تقريبي رغم ان الموقع لا يزال يتم حفره والتنقيب فيه. وتدعى هذه العملية التي تعتمد على معلومات قرينة بتأريخ فوري، ويمكن لهذه المعلومات ان توجه تحديد التأريخ المطلق لاحقا.
عن موقع ناشينال جيوغرافيك