بولندا لن تأخذ قمامة بريطانيا بعد الآن

بانوراما 2019/09/30
...

جو هاربر   
ترجمة: مي اسماعيل 
تزدهر سوق القمامة في بولندا أثناء سعيها للحاق بأهداف الاتحاد الأوروبي لإعادة التدوير؛ لكن وارشو سئمت بشكل متزايد ورود النفايات الأجنبية المستوردة بشكل غير قانوني، ومعظمها من المملكة المتحدة. أصبحت بولندا مكبا للنفايات البلاستيكية الواردة من بريطانيا، مما أدى لتنامي وجود ما يطلق عليه "مافيا النفايات" لإدارة عمليات حرقها غير المشروعة. وأكد "سلومير مازوريك" نائب وزير البيئة البولندي بأن الحكومة ستبدأ تحركا قويا ضد عمليات الحرق غير القانوني للنفايات البلاستيكية المستوردة. ومضى قائلا: إن محطات بولندا العشر لإنتاج الطاقة من النفايات يمكنها معالجة المخلفات المحلية وتلك المستوردة من جمهورية التشيك وإيطاليا وبريطانيا؛ لكن ضوابط العمل قليلة على مستوى القطاع لتقنين أنواع النفايات، والحرق غير القانوني واسع الانتشار.
وكانت المفوضية الأوروبية قد أعلنت سنة 2018 أن فرض الضوابط من مسؤولية الدول الأعضاء؛ ولأنها جزء من "حزمة الاقتصاد الدائري" للاتحاد الأوروبي (هي الحزمة التي توفر الحزمة الدائرية للاقتصاد فرصة مثالية لمزيد من الانتقال نحو أوروبا ذات كفاءة باستخدام الموارد والتنافس وزيادة الدفع تجاه إعادة التدوير واستعادة نفايات التغليف- المترجمة) الذي جرى تبنيه منذ سنة 2018؛ يجري توسيع مسؤولية المنتجين تجاه منتجاتهم، مما يعني أن على الشركات معالجة منتجاتها وأساليب التغليف بشكل أفضل بعدما يجري استخدامها من قبل المستهلك.. لكن المشكلة ما زالت مستمرة.. 
خلال العام الماضي جرى تسليط الضوء بوضوح على التخلف النسبي للتنظيم الذاتي، حينما نشب أكثر من ستين حريقا في مواقع الطمر الصحي لأرجاء بولندا؛ استمر أكبرها مستعرا طيلة يومين وغطى الدخان مدينة "زغيرز" وسط بولندا؛ وهناك وجدت بقايا نفايات محترقة آتية أساسا من بريطانيا. 
  
رمي النفايات
فرضت الصين بداية العام الماضي حظرا على استيراد 24 نوعا من النفايات الصلبة، ونتيجة لذلك صارت دول أخرى هدفا لمصدري النفايات غير الشرعيين؛ فتلقت كل من ماليزيا وفيتنام وتايلند وأندونيسيا وتايوان وكوريا الجنوبية وتركيا والهند وبولندا العبء الأكبر. إتهمت منظمة "السلام الأخضر" الدول الأوروربية باستغلال الدول الفقيرة التي لا تتمتع بأطر حماية كافية؛ فالشركات الغربية مستعدة للدفع للتخلص من النفايات، كما توافق شركات الدول الفقيرة على تلك العقود. لكن النفايات غالبا ما تأتي تحت تصنيفات غير صحيحة. 
يحقق المصدرون البريطانيون (من بين كثيرين غيرهم) مكاسب من استيفاء رسوم متفاوتة من تجار التجزئة والمصنّعين (حسب معدل الحمولة) لتثبيت ملصقات استرجاع النفايات البلاستيكية (المسماة: بيرن- Perns)؛ وبعدها يمكنهم تقديمها الى الحكومة دليلا على مساهمتهم بعملية إعادة التدوير. ومع ذلك لا تجري إعادة تدوير سوى نحو تسعة بالمئة من كميات البلاستيك المنتجة عالميا (وفق تقرير نشرته "ناشيونال جيوغرافيك" سنة 2017). قالت "بيو باكونيس- Beau Baconguis" إحدى الناشطات المهتمة بحملة إعادة تدوير البلاستيك ضمن "التحالف العالمي لبدائل المحرقة": "يشعر العالم الأول بالسعادة لإعتقاده أن مخلفاته تخضع لإعادة التدوير؛ لكن المطاف ينتهي بها واقعيا الى دول لا تستطيع التعامل مع المخلفات". 
 
بولندا.. صين أوروبا! 
كانت بولندا لسنوات عديدة أوسع المواقع لطمر النفايات البلاستيكية؛ إذ تتسلم شهريا نحو ستمئة ألف طن من مخلفات البلاستيك المستورد (أعلى المعدلات كانت سنة 2016). ترسل بريطانيا سنويا الى بولندا نحو 12 ألف طن من البلاستيك المعد للتدوير؛ كما ارتفعت كمية المخلفات البريطانية المرسلة الى الخارج (منها: الصين وتركيا وماليزيا وبولندا) بمقدار ستة أضعاف منذ سنة 2002. بعدما توقفت الصين عن قبول تصدير النفايات اليها سنة 2018 سرعان ما أصبحت بولندا سادس أكبر وجهة للنفايات البريطانية على مستوى العالم وثاني أكبر وجهة داخل الاتحاد الأوروبي (بعد هولندا). أعلنت المفوضية الأوروبية العام الماضي إن بولندا واحدة من 14 دولة ضمن الاتحاد الأوروبي تواجه عدم تحقيق هدف الاتحاد بإعادة التدوير للعام 2020، للوصول الى نسبة خمسين بالمئة. وطبقا لمعلومات منظمة "يوروستات – Eurostat" لتزويد الاتحاد بالمعلومات الإحصائية على المستوى الأوروبي، أعادت بولندا سنة 2017  تدوير نحو 34 بالمئة من نفاياتها البلدية، مقارنة بالمعدل الأوروبي البالغ نحو 46 بالمئة
 
قضية ملتهبة 
يرى "كارول ووجيك "-Karol Wojcik " من الجمعية البولندية لأصحاب شركات إدارة النفايات إن المشكلة تتمثل بغياب معدل الحد الأدنى لإعادة تدوير البلاستيك؛ ما يعني كون السلطات المحلية مستعدة لتبيع للشركة التي تعرض أوطأ الأسعار. ويعتقد ووجيك أن تثبيت الحد الأدنى لكلفة معالجة نفايات البلاستيك القابلة للتدوير من شأنه إزالة إغراء البيع الى "مافيا النفايات". ويمضي قائلا: "اكتشفنا في بولندا أن اقتصاد التدوير القائم على مبادئ اقتصادية ليبرالية فقط لا يعمل بفعالية كافية؛ ففي بولندا لم تتسبب الأيدي الخفية في السوق بتدني معدلات جمع النفايات وإعادة تدويرها فحسب؛ بل بحرائق واضحة للعيان جدا". 
 
انه عمل قذر! 
اعتقلت الشرطة البولندية خلال نيسان الماضي نحو 15 شخصا من مدن عدة لعلاقتهم بما يسمى "مافيا النفايات"، وأعلن المحققون وجود دلائل أن المتهمين خزنوا (بصورة غير شرعية) مخلفات خطيرة داخل مناجم مهجورة أو قرب مجمعات سكنية. وكشف التحقيق عن 2452 طناً من المخزونات الخطيرة التي تصل كلفة التخلص منها الى أكثر من مليوني دولار. وقال المتحدث باسم مكتب المدعي العام الإقليمي بمدينة كاتوفيتشي "فالديمار لوبنفسكي": "كانت كمية كبيرة جدا من النفايات السامة، التي شكلت طرق خزنها تهديدا حقيقيا للحياة والصحة والبيئة الطبيعية". 
وذكرت تقارير الشرطة المحلية بمدينة كاتوفيتشي (جنوب بولندا) أن ثلاث عصابات إجرامية استأجرت مخازن بمناطق مختلفة من الدولة؛ وكان العقل المدبر للعملية برمتها (وفق تقارير الشرطة) رجل أعمال يناهز الثانية والخمسين من العمر من مدينة كراكوف. تجري الآن ست محاكمات تتعلق بقضايا الطمر غير القانوني للمخلفات في بولندا؛ بحسب "إيوا بياليك"؛ المتحدثة بإسم مكتب المدعي العام الوطني. جرى إتهام 47 شخصا حتى الآن ضمن مجرى التحقيق؛ وما زال 28 منهم قيد الاعتقال. كما وضعت ثلاث شركات بريطانية لمعالجة النفايات قيد التحقيق من قبل وكالة البيئة البريطانية "EA" لإرسالها ألف طن من النفايات القابلة لإعادة التدوير الى بولندا تحت تصنيفات مزيفة. وحذر مدير الوكالة السير "جيمس بيفن" قبل سنتين أن جرائم التخلص من النفايات أصبحت اليوم.. "المخدرات الجديدة" التي تكلف بريطانيا نحو مليار وربع مليار دولار سنويا. 
 
موقع "دويتشه فيله" الألماني