ما يُهدد انجاز مشروع الكابينة الحكومية بشكلٍ تام يمكن أنْ يكون تهديداً لاستكمال المشروع السياسي الديمقراطي العراقي، لأنّ هذا التهديد يعني ارتباطه بالمصالح، أكثر من ارتباطه بالاجندات الخارجية كما الفناه في الحكومات السابقة، وهذا مايجعله أكثر خطورة، ومدعاة لإثارة الجدل حول تيسير الظروف المناسبة للسيد رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي لحسم هذا الملف، ولتجاوز عقدة التعاطي مع المزاج السياسي للقوى السياسية.الخلاف حول ترشيح واختيار الوزارات الامنية وغيرها يفتح الباب واسعاً على مشكلات أخرى تتعلق برئاسات اللجان البرلمانية، وعلى طبيعة توصيف هذه الرئاسات، وما تعنيه من تداعيات يمكن أن تنعكس على العمل البرلماني، وعلى احداث مشكلات معقدة في دعم مسار الحكومة العراقية.
إنّ الحديث عن الدولة المدنية، وعن اعطاء رئيس الوزراء تفويضاً لاختيار كابينته الحكومية سيصطدم بهذه الاجراءات، وبتلك الحساسيات، والتي تجعله أكثر حذراً في التعاطي مع الواقع، ومع استشراف المستقبل، فالجماعات الفائزة في الانتخابات هي من فرضت خياراتها على الآخرين، وتحت يافطة الديمقراطية والاستحقاقات الانتخابية، لكن العمل على مواجهة تحديات المرحلة القادمة سيكون الخيار الأكثر اهمية في تلك المواجهة، على مستوى اعادة تأهيل المؤسسات الحكومية والمستقلة، أو اعمار المدن المحررة، وعلى مستوى التعاطي مع ملفات الأمن السياسي والاجتماعي والصحي والثقافي، فضلا عن اعادة النظر بملف السياسة الخارجية، ومعالجة عديد المشكلات الامنية والمائية والسياسية مع المحيط العربي والاقليمي والدولي..
الخيارات والسياسات
الحديث الواقعي عن الخيارات يحتاج بالضرورة الى سياسات واقعية، والى برامج ومشاريع وستراتيجيات واضحة، والى جهود تعمل على معالجة ظواهر الفساد، وبطء برامج التنمية، ومظاهر الفشل في منظومات الدولة، وهذه بلا شك تحتاج جهوداً كبيرة، وتصورات تضع في حساباتها التعقيدات التي سيواجهها السيد رئيس مجلس الوزراء، على مستوى الثقة بوزرائه وبمهنية اختيارهم، وعلى مستوى تنفيذ برنامجه الحكومي، وضمن المدد الزمنية التي اعلن عنها، وعلى مستوى التنسيق مع مجلس النواب في تهيئة البيئة التشريعية الداعمة لها..
إن تعقيد السياسات سينعكس حتماً على طبيعة تلك الخيارات، وعلى امكانية الوقوف على ماهو واقعي فيها، إذ إنّ خلط الأوراق سيكون سبباً في اعادة انتاج كثير من المشكلات القديمة، ومنها مشكلة التحاصص على المناصب الحكومية في حلقاتها العليا والوسطية، وفي قدرتها على مواجهة تحديات تتطلب نوعاً من الاستقرار السياسي.
ما يحدث اليوم من جدل، أو تجاذب احيانا، قد يكون ايجابياً بالمعنى الديمقراطي لذلك، لكنّ الاستمرار فيه، سيكون عندئذ مصدراً لتعويق المسار الديمقراطي ذاته، والتحريض على عودة عقد الاجندات الخارجية، وتأثيرها في القرار السياسي العراقي، لاسيما انّ منطقتنا تحفل اليوم بصراعات واصطفافات تجعلها أكثر تأثيراً في الواقع العراقي، وفي معطيات العملية السياسية والامنية والاقتصادية بشكلٍ خاص..
النجاح هو الخيار الوحيد
من الصعب القبول بغير هذا الخيار، والعمل على انضاج خطواته في الواقع، وفي تفعيل البرامج المُعطّلة، أو التي سيتم الاعلان عنها، فلا يمكن للعمل الحكومي أن يُعبِّر عن نجاحه إلّا من خلال هذه التوجهات، وعلى تهيئة البيئات المناسبة لها، مقابل العمل على انضاج المشاريع الاستثمارية ودعم القطاع الخاص، لأن النجاح الحقيقي هو النجاح الواقعي، اي النجاح الذي يمكن التعاطي مع استحقاقاته على الارض وليس في النوايا، أو عبر الاشهارات التي كثيرا ما تتنطع بها القوى السياسية والجماعات
الأخرى..
لقد بات واضحاً للجميع، وبعد اربع حكومات نجد انفسنا امام فرصة حقيقية للتغيير، وللرهان الحقيقي على النجاح الحقيقي والواقعي، وعلى مواجهة تحديات المحاصصة والتطييف، والفشل الادائي، والفساد والترهل، والتي من شأنها أنْ تعوّق أي جهد، أو عمل، وهذا مايعني الحاجة الى الجدية، والى تعظيم معاني المسؤولية الوطنية والاخلاقية في انضاج مشروع الدولة المدنية، وانضاج مشاريعها وبرامجها..