بعد أن إتخذ مجلس القضاء الاعلى في العراق قبل ايام قرارا بالتعامل مع (الدكة العشائرية) وفق احكام المادة الثانية من قانون مكافحة الارهاب، جاء هذا بعد انتشار ظاهرة ( الدكات العشائرية) والتي تعني وفق المفهوم الشعبي أن يقوم بعض الأشخاص بإطلاق النار على منزل مواطن كنوع من التحذير او لاظهار القوة والعنف، وقد عالج الدستور العراقي العلاقة بين الدولة والقبائل حيث وردت في المادة (45/ثانيا): تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز فيها الإنسانية النبيلة، بما يسهم في تطوير المجتمع وتمنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان وكذلك تضمن القرار 24 لسنة 1997 النافذ ( يعاقب بالحبس مدة لاتقل عن ثلاث سنوات كل من ادعى بمطالبة عشائرية ضد من قام بفعل تنفيذا لقانون او لامر صادر اليه من جهة). مما سبق يمكن القول ان النص الدستوري قد ذكر صراحة ان الاعراف العشائرية يجب ان تكون متفقة مع الدين والقانون وحقوق الانسان .
فالحوادث الكثيرة التي شهدتها المحافظات العراقية خير شاهد على مدى جسامة وحجم هذه الظاهرة، حيث حصل قبل ايام ان قام مواطن باطلاق العيارات النارية على مدرسة في محافظة كركوك وذلك لرسوب ابنته مما اثار حالة من الذعر والرعب لدى الكادر التدريسي والطالبات، وايضا شهدت محافظة البصرة وميسان دكات عشائرية مشابهة . اضافة الى ذلك هناك هناك ظواهر دخيلة منها حرق البيوت وفيها النساء والاطفال والكتابة على المحلات (مطلوب عشائريا).
ومن أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار العنف العشائري في الفترة ألأخيرة:
1 - تردي الوضع الأمني في العراق وهذا يرجع لعدة أمور لعل أبرزها عدم الاعتماد على القيادات الأمنية المهنية والمؤهلة بما لديها من خبرة في وضع خطط أمنية تتلاءم مع طبيعة المكان والسكان إذ لا يمكن ان تكون الخطط الامنية موحدة أو متشابهة مع وجود الاختلاف في طبيعة المكان وطباع المجتمع العراقي ومحافظات العراق، فضلاً عن عدم وجود القدرة العالية لدى أجهزة الدولة على امتصاص زخم تلك المعارك والانتهاكات الامنية من قبل العشائر.
2 - عدم احترام القانون لعدة أسباب لعل أهمها ضعف تطبيق القانون من قبل القيادات الأمنية او المجاملة في تطبيقه بسبب تفشي المحسوبية وبالتالي فان المواطن لا يشعر بوجود سلطة حقيقية للدولة او هيبة لهذه السلطة ويرى ان الاحتكام إلى العشيرة اضمن في استيفاء حقه أو تحقيق أهدافه.
3 - غض النظر عن الكثير من الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع، كالمشاجرات شبه اليومية في الدوائر الحكومية وغيرها.
4 - شيوع النعرات العشائرية وهيمنة العادات والتقاليد المتخلفة، وانتشار شتى أنواع الأسلحة من بنادق وقاذفات ومدافع هاون وأسلحة رشاشة في المناطق الريفية ولعل عدم إحكام الحدود بين العراق وجيرانه سبب مهم لانتشار التهريب للأسلحة ولغيرها من الممنوعات.
5 - ضعف الإعلام وقلة برامج الترويج لقيم السلم والمحبة والتآخي والتراحم ونبذ العنف من خلال النشاطات الثقافية والعلمية والإعلامية كالسينما والأعمال التلفزيونية والدرامية وغيرها من البرامج والتحذير من تأثيرها على المجتمع وسلبيتها وإيذائها للناس واعتدائها على حرية الأفراد أحيانا أو كرامتهم أو إنسانيتهم أو سلبهم أرواحهم وكذلك الوضع الاقتصادي السيئ للفرد تبعا للأحوال الاقتصادية المتردية التي يمر بها البلد والبطالة أو فقدان العمل هي أسباب كلها تؤدي لحالات نفسية أولا وفراغ ثانيا وحاجة ثالثا وقيام الفرد بالبحث عن طرق أخرى لتمويل نفسه وإعالة أسرته وربما يتخذ الطرق السيئة لفقد الوازع الأخلاقي والديني.
واخيرا مما تقدم يجب التأكيد على الدور الاجتماعي للعشائر فقط وإعطاؤها دورا بسيطا في التوصل للحل النزاعات بين الافراد خاصة في المناطق التي تكون بعيدة عن المدن ويكون الوصول فيها للمؤسسات القضائية صعبا جدا.
واستبعاد أي نص قانوني يتيح للاعراف العشائرية التدخل لحل النزاعات القانونية بين الافراد وايضا التاكيد دائما على روح المواطنة وتقديمها على أي انتماء اخر وخاصة الانتماء القبلي والعشائري واشاعة ثقافة حقوق الانسان التي يؤكد عليها الدستور والمواثيق الدولية وتعزيزها بين افـراد المجتمـع كافة لتعريفهم بحقوقهم وحرياتهم التي لاتستيطع أي جهة ان تسلبها منهم.
*باحث قانوني