أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط تزداد توسعاً

بانوراما 2019/10/01
...

ترجمة: انيس الصفار   آدم تايلر
 
تتحرك ادارة ترامب استعداداً لسحب جنودها من مناطق الصراع المختلفة في العالم مثل سوريا وأفغانستان، أما قاعدة العديد الأميركية وسط قطر، والتي تعد أكبر قاعدة عسكرية لها في الشرق الأوسط، فليس ثمة احساس بانسحاب قريب. هنا تنفق أموال طائلة في تحسين وضع القاعدة الجوية المترامية، وهذا لن يجعلها الأكثر مركزية فقط بالنسبة لوضع الجيش الأميركي بل ايضاً الاكثر ديمومة وبقاء.

يبدي المسؤولون الأميركيون تحفظاً في الكلمات التي يستخدمونها عند وصف الأعمال الجارية في هذا الموقع، مكتفين بوصفها "ارتقاء بوضعها"، ولكن المسؤولين القطريين يطلقون عليها ببساطة وصف "التوسع". ورغم أن ما من خطط معلنة هناك لإرسال مزيد من الجنود الى القاعدة فإنها جاهزة لاستيعاب عدد يفوق كثيراً قوة 10 آلاف جندي الذين يتواجدون فيها في أي وقت من الاوقات.
قال الرئيس ترامب أنه يريد انهاء التورط الأميركي في "حروب لا نهاية لها" في شتى انحاء العالم، كما سماها، ولكن الولايات المتحدة لا تزال منغمسة حتى اذنيها في مختلف الصراعات الاقليمية في الشرق الأوسط كما تواجه توترات متصاعدة مع 
إيران.
 
قطر تمول العملية
قال العميد "دانيال أتش تولّي" آمر السرب 379 في مقابلة اجريت معه أن العمليات العسكرية الأميركية في العديد لا تزال على الدرجة التي كانت عليها من التعقيد ابان ذروة حربي العراق وأفغانستان، وخلال هذا العام ارسلت الى قطر أرقى المعدات العسكرية مثل مقاتلات "أف -22" وقاذفات "بي – 52".
تواجه الولايات المتحدة حالياً خمسة تحديات كبرى في المنطقة، كما يقول تولّي، وهي: الصراع في أفغانستان والتوترات مع إيران والتهديد المتمثل ببقايا "داعش" ضد كل من سوريا والعراق والوضع الحرج المتأرجح لمناطق شمال سوريا، حيث تفرض القوات الكردية التي تدعمها الولايات المتحدة سيطرتها، وحرب اليمن حيث يتلقى التحالف الذي تقوده السعودية دعماً من الولايات 
المتحدة.
يقول تولّي عن قاعدة العديد: "إنها تتمتع بموقع ستراتيجي يفوق التصور، فهي في المركز بالنسبة لكل شيء."
إنه أمر ملفت للنظر لمنطقة يثير تواجد القوات العسكرية الأميركية تحسسها أن تقدم قطر، لا على السماح بالتوسع فحسب، بل ايضاً على تمويل العملية والاشراف على الاعمال الانشائية وتحمل فاتورة تصل الى نحو ملياري دولار.   
يقول الدبلوماسيون من دول الخليج المنافسة أن جهود قطر المتحمسة لتوسيع قاعدة العديد، الى جانب شرائها معدات عسكرية اميركية تصل اقيامها الى عشرات مليارات الدولارات، إنما هي محاولات لاستغلال ثروات هذا البلد الواسعة التي يدرها عليه الغاز الطبيعي من خلال التودد لإدارة ترامب في وقت تواجه فيه قطر عزلة من قبل حلفاء الولايات المتحدة داخل المنطقة. يقول عدد من المسؤولين العسكريين أن حجم أعمال البناء الذي تشهده قاعدة العديد والدور الذي تقوم به قطر عبر الاشراف على المشروع كلها أمور خارجة عن المألوف، ويقول تولّي: "إنه وضع جديد كلياً بالنسبة لوزارة الدفاع."
 
انشئت لا لتدوم
تقع قاعدة العديد، التي لا تبعد اكثر من نصف ساعة بالسيارة عن شارع المتنزه المحفوف بأشجار النخيل في مدينة الدوحة، وسط بيئة خشنة من الصحراء القطرية التي تتعدى الحرارة فيها صيفاً 50 درجة مئوية. أغلب اجزاء القاعدة مكتسية عموماً باللون البني الترابي الفاتح وهو جانب مظهري يعكس حقيقة ان معظم الأبنية قد شيدت على عجل واستخدمت فيها مواد رخيصة الثمن.
نقلت القيادة المركزية قاعدة عملياتها المتقدمة الى هذا الموقع خلال العام 2003 بعد أن اثيرت مخاوف من حدوث ردود فعل داخل السعودية بسبب التواجد الأميركي واسع النطاق في قاعدة الأمير سلطان الجوية. يقول تولّي: "ثم تحولت البعثة الاستكشافية العابرة الى تواجد دائم."
يشير تولّي الى هيكل قائم معروف باسم "مظلة ليما"، تستخدم فيه أغطية من قماش الخيام لحماية الطائرات من اشعة الشمس المحرقة، للدلالة على طبيعة الترتيبات الآنية المرتجلة المطبّقة في هذا المكان، حيث بدت الاغطية ممزقة متهرئة. 
يمضي تولّي موضحاً فيقول: "الطريقة التي تتحرّك عبرها الأموال ما بين الكونغرس ووزارة الدفاع لا بد أن تفضي الى نتائج كهذه."
كثير من رجال الجيش ونسائه الذين يؤدون الخدمة ضمن هذا الموقع يسكنون داخل ما يسمى "الحاويات"، وهي أبنية مؤقتة مزودة بالحد الأدنى من وسائل الراحة. هذه الأبنية ذات الطابق الواحد ليست فيها تأسيسات صحية داخلية، ووحدات تكييف هوائها المنهكة معرضة لاشتعال النار فيها، والشبابيك الخارجية يجب ابقاؤها مغطاة طول الوقت لمنع تهشم زجاجها لأي سبب، مثل خطر الصواريخ الإيرانية.
وفقاً للمشروع الانشائي، الذي أحيل بعقد ثانوي الى شركة إدارة مقرها ولاية تكساس اسمها "برايم" وشركة انشاءات تركية اسمها "بهادير"، ينصب الهدف على اخراج جميع العاملين المقيمين ضمن القاعدة من "الحاويات" خلال سنتين واسكانهم في مبان عصرية بدلاً منها. العمل الجاري الذي تشهده القاعدة سوف يرفع مستوى الحياة بالنسبة للجنود الأميركيين، أو بعبارة اخرى "يحسن مستوى ادائنا لمهمتنا" كما تقول الرائد "بيث رايوردان" المتحدثة باسم القيادة المركزية الأميركية.
 
قبل الحصار وبعده
المسألة الأهم بالنسبة للولايات المتحدة، كما يقول تولّي، هي الارتقاء بالوظائف العملياتية. ثم يمضي مبيناً أن القاعدة تمكنت حتى الآن من ملاءمة اجراءاتها مع باقي قواعد حلف الناتو في أوروبا، مع أمل أن تتمكن القوة الجوية القطرية من العمل مستقبلاً بتنسيق مع الحلفاء في الناتو.
لا تزال قطر تحت الحصار الذي فرضته عليها السعودية والامارات، وكلتا الدولتين من حلفاء الولايات المتحدة المهمين وتقومان بإيواء جنود أميركيين في قواعد على 
اراضيهما.
عندما قطعت السعودية ودول عربية اخرى العلاقات مع قطر أواسط العام 2017 كانت هناك تصورات بأن قاعدة العديد سوف تعاني من آثار ذلك. لكن المسؤولين العسكريين يقولون أن الارتباك الذي اصاب النشاطات الأميركية في المنطقة كان ضمن ادنى الحدود.
استغلت قطر الحصار لتوثيق علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة، حيث يقول المتحدث باسم وزارة الدفاع اللواء ناصر العطية مبيناً: "لقد تغير كل شيء بالنسبة لقطر. فما قبل الحصار شيء وما بعده شيء مختلف."
لم يغب هذا عن ملاحظة واشنطن، فقبل شهرين رحب ترامب بأمير قطر في البيت الأبيض محيياً إياه لشرائه "كميات هائلة من المعدات العسكرية"، على حد تعبيره، ثم وصف قاعدة العديد الجوية بقوله: "إنها شيء لا يصدق .. فهي في قلب منطقة الشرق الأوسط بالضبط."
بيد أن علاقات الولايات المتحدة بقطر لا تخلو من بعض الاحتكاكات. فإلى وقت قريب، والى شهر أيار الماضي بالتحديد، كان وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني يردد أن بلده يدرس فكرة شراء منظومة الدفاع الصاروخية "أس 400" من روسيا. يعلق دبلوماسي غربي، تكلم بشرط عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية الموضوع، على هذا بأن بلده لم يلمس بعد تحركاً بهذا الشأن ولكنه ألمح الى أنها ستكون مشكلة كبرى إذا ما مضى الأمر قدماً صوب هذا
 التوجه.
كذلك تحرص قطر على إدامة اواصر العلاقة بينها وبين إيران. يقول اللواء العطية: "إيران جارة لنا، وعلينا التعامل معها على هذا الاساس." ثم يمضي مضيفاً أن على قطر التمسك بالحياد وسط النزاع الناشب بين الولايات المتحدة وإيران، ولكنه أحجم عن القول إن كانت قطر ستسمح للولايات المتحدة بضرب أهداف إيرانية انطلاقاً من قاعدة العديد.
يقول "برايان كاتولس"، وهو زميل أقدم في مركز التقدّم الأميركي سبق له العمل ضمن مجلس الأمن القومي ووزارتي الخارجية والدفاع خلال ادارة الرئيس "بيل كلنتون"، أن توسيع القاعدة هذا يظهر مدى التناقض الذي تشهده سياسة ترامب العسكرية.
يقول كاتولس: "في الشرق الأوسط، وسائر انحاء العالم، يتكلم ترامب عن هذه الشراكات الأمنية بين أميركا والدول الاخرى كما لو كانت شأناً متعلقاً بالحماية، دون مناقشة وافية للغاية الستراتيجية المتوخاة من هؤلاء الجنود الذين هم خارج الولايات المتحدة." ثم ينهي كلامه متسائلاً: "ما الداعي لهذا كله؟ وماذا سيحدث بعد 
ذلك؟"
الأمر الذي يبدو مؤكداً هو أن القاعدة لن تزول خلال وقت قريب، ويقول العطية أن العلاقات العسكرية باقية لعشرين سنة أخرى على الأقل بموجب اتفاقية ستراتيجية توصلت اليها الولايات المتحدة مع قطر العام الماضي. 
يضيف العطية أن قطر تخطط لبناء منشآت جديدة في الموقع لإقناع كبار الضباط بنقل عوائلهم من الدوحة الى القاعدة العسكرية، بيد أن البنتاغون أوقف هذه الخطة، كما يقول تولّي الذي يختتم قائلاً: "إنها بادرة عظيمة ولكننا لسنا مستعدين لها بعد، ونحن الأميركيين لا نكف عن ابداء عجبنا ودهشتنا من مدى كرم مضيفينا في هذا 
المكان."