العام الدراسي .. اغتراب وهموم

اسرة ومجتمع 2019/10/11
...

بيروت / غفران المشهداني
 تزداد شكوى الأهالي والمغتربات العربيات مع بداية كل عام دراسي جديد من غلاء الاقساط إلى اسعار الكتب والقرطاسية، إذ أصبح هذا الارتفاع يثقل كاهلهم الى جانب مصاريف الحياة اليومية التي تخص الطعام واجور السكن والتنقل بين المدن مقارنة بقلة الأجور التي يتقاضونها من عملهم.
حروب داعش
  دفعت المغتربة العراقية سوسن سِراج مصطفى من منطقة “الشيّاح، وهي أُم لثلاثة أولاد، 855 الف ليرة لبنانية ثمن كتب ابنتها في الصف الرابع اساسي و460 الفاً للثانية في الصف الثاني اساسي، وتقول أما أسعار القرطاسية فقد تجاوزت الـ 400 ألفاً ومنذ نهاية العام الدراسي وطوال مدة العطلة الصيفية وأنا أجمع من أجور عملي ككاشير في أحد المطاعم اللبنانية أدخر ثمن مستلزمات أولادي، وتابعت بصراحة الحياة باهظة هنا كثيراً كما أن ملفات لجوئنا لدى الأمم المتحدة تأخّرت كثيراً ولا أعلم كيف سنستمر في هذه الحياة وهذا الغلاء المعيشي؟ ولو لم يهدم بيتي بسبب حروب عصابات داعش في الموصل لكنت اول العائدين لبلدي الأم”. 
 
خيرات بلادنا
أما المغتربة نهلا سيزار من منطقة الجناح وهي أم لأربعة أطفال فتقول: معاناة جميع أولياء الأمور مع أبنائهم الطلبة هو بسبب تغيير الكتب كل عام ولا يوجد كتاب وطني ثابت لكي نشتري الكتب المستعملة أو تستفيد الأخت الصغرى من كتب اخيها الذي سبقها في العام 
الدراسي”.
مضيفةً: لقد دفعت نحو 700 ألف ليرة ثمن القرطاسية ومليونا ومئة ليرة ثمن الكتب، هذا كله ومازلت لم أدفع ثمن الزي المدرسي الذي يكلفني 50 الفاً لكل طفل من أطفالي، أحنّ لخيرات بلدي العراق حيث التعليم المجاني وتقوم الحكومة ووزارة التربية بتوزيع الكتب والقرطاسية مجاناً، لو كانت ظروفي تسمح بالعودة لعدت ولكن بعد مقتل زوجي بسبب الحروب الداخلية التي شهدتها بلادنا جعلتني أبيع كل ممتلكاتي وآتي للعيش في لبنان لأجل الشعور بالأمن رغم أنّه موجود الان في بلدنا الأم، واحيانا افكر باتخاذ قرار العودة خاصة عند كل أزمة غلاء معيشي أمر بها هنا”.  
 
 النقل المدرسي
معاناة الأم اللبنانية لا تختلف عن معاناة المغتربة العربية فتقول المواطنة رائدة محمد من منطقة “عين المريسة”: إلى جانب غلاء الأقساط المدرسية، والكتب والقرطاسية والحقائب أواجه غلاء وزيادة رسوم النقل عبر حافلات النقل المدرسي، حيث يكون على كل طالب دفع 300 دولار شهرياً وهو سعر خيالي لا أستطيع دفعه خصوصاً وأنا لديّ أربعة أولاد في المدرسة فاضطررت للبحث عن بعض النساء ممن يعملن سائقات تاكسي واتفقت مع إحداهن أن تقوم بتوصيل أبنائي من البيت للمدرسة وبالعكس وبمبلغ 500 دولار عن جميع ابنائي وهذا سعر مناسب مقارنة بدفع 300 دولار لكل واحد 
منهم”.
مضيفة: “بصراحة رغم ان وضعي الاقتصادي جيد ولكنني اعاني كثيراً من دفع المبالغ الكبيرة على أبنائي في بدء كل عام دراسي لا اعلم كيف تواجه الأم ذات الدخل المحدود هذا الغلاء وخصوصا المرأة المغتربة التي تكون بالأساس اجورها اليومية بأسعار زهيدة”.
 
 الاقتراض من البنوك
بدورها تشير المواطنة عواطف زياد هاشم من منطقة “الدكوانة”، أم لستة أطفال خمسة منهم في المدرسة وهي موظفة في إحدى الوزارات الحكومية: في بدء كل عام دراسي أضطر إلى الاقتراض من أحد البنوك لسداد رسوم الأقساط المدرسية وشراء الكتب والقرطاسية وأجور شراء الزي المدرسي والنقل بحافلات خاصة لأطفالي الخمسة، ومن ثم أقوم بالتسديد في الشهور اللاحقة فلا بديل عندي سوى هذا الحل والا مصير أطفالي سيكون في الشارع”.
هناك العديد من العائلات المغتربة السورية لم تتمكن من مواجهة غلاء الكتب واللوازم المدرسية مما جعلها تمنع ارسال ابنائها الى المدرسة، وهذا هو حال المغتربة سميرة عزت من ضاحية صبرا وهي أم لسبعة أولاد، أربعة منهم كانوا يدرسون، فقد اضطروا هذا العام الى ترك المدرسة والعمل بين بائعي الورد والمناديل على إشارات ومفارق الطرقات، فتقول: بالكاد استطيع دفع ايجار شقة صغيرة بأثاث متهرئ وطعام بسيط، فكيف يمكنني دفع مصاريف المدرسة لهم رغم ان السلطات الحكومية اللبنانية تمنح التعليم المجاني للنازحين السوريين لكن كلّ شيء غالٍ ولا استطيع دفع ليرة لهم بل هم من يساعدونني في المعيشة”.
 
الاشتراك بجمعية
بدورها تشير المواطنة اللبنانية زينب جاسم وهي أرملة وأم لأربعة أطفال أيتام في مراحل دراسية مختلفة : “أصارع الزمن وأحاول أن أدخر المال من خلال بيعي للخضار والفواكه في سوق صبرا على مدى أيام السنة لكي أوفر حياة كريمة لأطفالي، ومع ذلك لا استطيع توفير المال المطلوب قبيل بدء العام الدراسي لذا دخلت في جمعية مع صديقاتي وطلبت منهن ان أكون اول من تستلمها قبيل العام الدراسي لكي استطيع تسديد فواتير احتياجات اطفالي، اذ ان أهم شيء عندي هو أن يكملوا دراستهم لكي يكونوا عناصر فعالة في المجتمع ولا يكون مصيرهم مثلي ولكي ينفعوا أنفسهم ولا يعانون في مواجهة قساوة هذه الحياة مثلما عانيتُ كثيراً في حياتي كوني امرأة بلا شهادة ولم أكن مستقلة مادياً من خلال معاش ثابت اتقاضاه من شهادتي الجامعية حالي حال صديقاتي وجاراتي في الحي الذي كنت اسكن فيه، فأهلي لم يستطيعوا أن ينفقوا عليَّ لإكمال دراستي بسبب ظروفهم الاقتصادية الصعبة”.
 
أمنيات مستحيلة
للأطفال معاناة وأحلام صغيرة فالطفل دريد كريم من الجنسية السورية يبلغ من العمر 10 أعوام يعمل بائعاً لقناني المياه والمناديل الورقيّة على طول الخط البحري في منطقة عين المريسة يؤكد بغصّة كبيرة: لقد تركت المدرسة منذ عامين فأبي يعمل عامل بناء بأجور يومية ولديّ أربعة أخوة ثلاث بنات وصبي وأمي ربّة منزل وأنا أحاول مساعدة أمي وأبي في توفير ولو المال القليل لأجل شراء بعض الخبز والخضار”، متابعاً حديثه: “نعيش في شقة صغيرة للإيجار في إحدى ضواحي بيروت والحياة غالية كثيراً، وبيتنا في سوريا قد هُدم وأصبح بمستوى التراب فاضطررنا للنزوح الى لبنان وحلم العودة الى المدرسة اصبح من امنياتي المستحيلة، فماذا عسانا ان نفعل، الحمد لله إننا جميعا احياء بعد شهور الحرب القاسية التي عشناها في بلادنا”.