مجمَّعاتٌ سكنيَّة تُفاقمُ أزمة السكنِ بارتفاع أسعارِها
ريبورتاج
2019/10/12
+A
-A
بغداد/ رلى واثق
تصوير/ نهاد العزاوي
ما زالت الثلاثينيَّة زينة تتأمل في إيجاد سكنٍ خاصٍ بها بعد أنْ وصل عمر ابنتها البكر الى 12 عاماً وهي تسكنُ غرفة ببيت أهل زوجها، وتستطرد بالقول: "حاولت التقديم لأكثر من مرَّة لمشاريع سكنيَّة يتمُّ الإعلانُ عنها، إلا أنَّ المقدم المطلوب لا يتناسب وإمكانياتنا، ناهيك عن الأقساط الأخرى التي تتجاوز دخلنا الشهري، كنا نأمل بهذه المشاريع خيراً إلا أنها جاءت على العكس من ذلك".
ويعقب الأربعيني أحمد ناجي على سابقته بقوله: "كنت فرحاً بتلك المشاريع حتى وإنْ لم أحصل على وحدة سكنيَّة فيها، أنْ تسهم في خفض أسعار بدلات الإيجار، إلا أنَّ ارتفاع أثمانها لم يحل أزمة السكن لمحدودي الدخل بل أتاح الفرصة للمتمكنين من شراء وحدات إضافيَّة واستثمارها بتأجيرها!".
أما محمد ثامر صاحب مكتب عقار فيقول: "لم تُسهم المجمعات السكنيَّة الحديثة في خفض أو رفع أسعار العقارات، كونها لم تعالج أزمة السكن، وإنَّ ما يجري حالياً هو ركودٌ في البيع والشراء، إلا في بعض المناطق يرافقه ارتفاعٌ في أسعار العقارات، وما يكثر عليه الطلب حالياً هو الاستئجار، وهو يعاني أيضاً من ارتفاع الأسعار لتفاقم أزمة السكن".
مشاريع سكنيَّة
مدير مكتب الإعمار في مجلس محافظة بغداد محمد جابر العطا يبين: "المشاريع الاستثماريَّة السكنيَّة في بغداد ما زالت قليلة بالنسبة الى أزمة السكن التي يعاني منها العراق، ونرى بأنَّ أسعار الوحدات السكنيَّة فيها عالية جداً لعدم وجود قانونٍ يفرضُ على المستثمر سعراً معيناً لتلك الوحدات، ما أتاح للمستثمرين عدم وضع سقف مناسب لأسعار الوحدات السكنيَّة، مؤكداً أنَّ ازدياد مشاريع السكن يمكن أنْ يفرض على باقي المستثمرين تقليل أسعار الوحدات السكنيَّة ليتمكن المواطن من اقتنائها وفق
إمكانياته".
ويضيف: "إلزامُ المستثمر بفرض سعرٍ معينٍ للوحدة الاستثماريَّة يجعل من العراق بشكل عام بيئة طاردة لأنَّ هدف المستثمرين أولاً وأخيراً هو الربحُ في المشروع الذي يتم تنفيذه، وأنَّ هنالك الكثير من التأثيرات على المستثمر كالفساد والابتزاز ليكون عامل تحديد السعر هو الأخير ليضيف عبئاً آخر عليه".
وتطرق العطا الى: "وجود فكرة لدى مجلس محافظة بغداد ببناء خمسة مجمعات سكنيَّة خارج بغداد وربطها عبر شبكة طرق سريعة بالعاصمة، وهنالك وحدات مخصصة للمتزوجين الجدد"، مؤكداً أنَّ البحث لا يزال جارياً من قبل لجان في المجلس ووزارة الإسكان والبلديات عن تلك الأراضي السكنيَّة التي يمكن تشييد تلك المجمعات عليها لوضع اللمسات الأخيرة عليها، فضلاً عن موافقات وزارتي البيئة والنفط وجهات أخرى".
وتابع: "هناك فكرة أخرى لتهيئة أرض مقدمة فيها 20 نوعاً من الخدمة كالماء والمجاري والكهرباء والمدارس والمستوصفات الصحيَّة والأرصفة والشوارع والانترنت وغالبيتها يعملُ بالطاقة الشمسيَّة وتوزيعها كأراضٍ للمواطنين لبنائها وتقسط مبالغ تلك الخدمات على سعر المتر الواحد كأنْ يكون 100 ـ 150 دولاراً".
مشكلة الأراضي
ويقرُّ المتحدث باسم أمانة بغداد حكيم عبد الزهرة: بأنَّ "هنالك مشكلة بالأراضي داخل العاصمة بغداد، والموجود منها لا يسدّ الحاجة الفعليَّة للمواطنين، بل سيتم الاكتفاء بجزءٍ منها، لكنَّ السعي جارٍ من قبل جميع الأطراف المعنيَّة لإيجاد البدائل وفق الزيادة السكانيَّة بما يتيح توفير وحدات سكنيَّة".
أسعارٌ مرتفعة
وأعرب الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان عن أسفه بقوله: "إنَّ ما يجري على أرض الواقع من مشاريع سكنيَّة لا يطابق الحاجة الفعليَّة لذوي الدخل المحدود والأسر الفقيرة، إذ سبق أنْ رفع البلد شعار أكبر عددٍ من الوحدات السكنيَّة بأسرع وقتٍ بأقل كلفة لحل مشكلة تلك الطبقات، لأنَّ الطبقات الغنيَّة لا مشكلة لديها في مسألة السكن وغالبيتهم ستسجل على هذه الوحدات كسكنٍ إضافي
لهم".
ويستطرد: "أفضلُ حلٍ لهذه المشكلة هو الشروع ببناء مجمعات سكنيَّة تناسبُ الطبقات الفقيرة"، مؤكداً أنَّ أرخص تلك المشاريع الاستثماريَّة الموجودة على أرض الواقع هو (بسماية)، إذ تتراوح سعر الوحدة السكنية فيه ما بين 60 ـ 70 ألف دولار وهذا المبلغ يعدُّ عالياً جداً على الطبقات
الفقيرة".
وبين انطوان: "الدولة يجب أنْ تجيزَ وتشجعَ عبر المصارف بناء الوحدات السكنيَّة البسيطة وبالذات العموديَّة التي تتراوح أسعارها ما بين 30 ـ 40 ألف دولار، لأنَّ مشكلتنا بوجود الحاجة الى 3 ملايين وحدة سكنيَّة ومثل هذا الأمر لا يمكن أنْ يحلَّ بسهولة إلا إذا تبنت العمل شركات استثماريَّة"، موضحاً بأنَّ الآمالَ معلقة الآن على الجانب الصيني الذي يمكن أنْ يساعد على حل هذه الأزمة في حال دخول الشركات الاستثماريَّة في مجلس الإسكان، ومع هذا فإنَّ بناء 250 ألف وحدة سنوياً يمكن أنْ يحلَّ المشكلة خلال الـ25 سنة القادمة، ناهيك عن الزيادة الحاصلة في نفوس العراق والتي تقترب من مليون نسمة سنوياً".
ويوضح انطوان: "الحل لهذه المشكلة يكمنُ في إنجازٍ سريعٍ وخطة متكاملة تشتركُ فيها جميع الوزارات والهيئات لبناء وحدات سكنيَّة للموظفين، إذ غالبيتهم من ذوي الدخل المتوسط والذين ليس باستطاعتهم بناء وحدة سكنية من دون قرض، ما يمكن الدولة من ربط القرض المصرفي بالوحدة السكنيَّة، ولا يتم نقل ملكيتها ما لم يسدد القرض كاملاً وفي الوقت ذاته يمكن حل مشكلة السكن وخلق فرص عمل للعاطلين لامتصاص البطالة الكبيرة التي غزت المجتمع، كما يمكن عن طريق هذه المشاريع الاستغناء عن شبكة الحماية الاجتماعية في حال تشغيل الملايين من
العاطلين".
عراقيل إداريَّة
ويوضح رئيس هيئة استثمار بغداد شاكر الزاملي: إنَّ "المشاريع الاستثماريَّة السكنيَّة في بغداد تقسمُ الى نوعين؛ الأول هو استثمار حر وتكون عقوده محصورة بالهيئة وتسير بشكلٍ سليمٍ وسلسٍ باعتبار أي تعاقدات تجري مع جهات حكوميَّة، وإنَّ مثل تلك المشاريع لا تلائم ذوي الدخل المحدود كون المستثمر سيصرف من أمواله الخاصة وبالتالي يحاول استرجاعها وتشييد الجزء المتبقي من المشروع منها"، مبيناً أنَّ الدولة تستطيع المساهمة في تسهيل شراء تلك المشاريع عن طريق منح المواطن قرضاً على الوحدة من قبل المصرف، إلا أنَّ المصارف تطلبُ في مثل هذه الحالة سنداً عقارياً والذي لا يمكن إصداره إلا بعد استكمال المشروع، وبالتالي فإنَّ الدولة سببٌ رئيسٌ بإبعاد المواطن عن الحصول على وحدة سكنيَّة في المشاريع الاستثماريَّة السكنيَّة الخاصَّة، لأن المواطن لو أقرض على العقد الموقع بينه وبين المستثمر فيمكن لتلك الإجراءات أنْ تسير بشكل إيجابي، إلا أنَّ التعقيدات الإداريَّة كإخراج السند وإكمال التعاقدات مع المصرف يكون المواطن من ذوي الدخل المحدود غير قادرٍ على شراء الوحدات في تلك المجمعات".
وتابع: "أما النوع الثاني فهناك مجمعات رغم التعاقدات الحكوميَّة وتمويلها من قبل المصارف، ما يسهل التسديد كونها تدفع بطريقة المقدمة ومن ثم تقسيط المبالغ بشكل شهري، إلا أنها لم تدر بشكل سليم بسبب عدم التعاقد بالطريقة النظاميَّة التي تؤدي بالمشروع الى النجاح"، مؤكداً أنَّه على هذه الشاكلة أنشئت أربعة مجمعات وهي الآن في طريقها للإلغاء، اثنان منها لوزارة المالية وواحد لكل من التعليم
والمالية".
وأوضح الزاملي: "الدولة يجب أنْ تضع خطة لتوفير السكن للموظفين والمعدمين من المواطنين ضمن التوجيهات التي أقرَّها مجلس الوزراء للقضاء على أزمة السكن في البلد بتوزيع الوحدات السكنية وإقراضهم عن طريق صندوق الإسكان أو المصرف العقاري التي تدعم المواطن، إذ إنَّ جميع مشاريع السكن في العالم تجري بإقراض المواطن لشراء أي وحدة سكنيَّة بأي مجمع استثماري وبالتالي قضي على العجز في تركيا ومصر وموريتانيا، الآن هنالك أموالٌ كثيرة موجودة لدى المصارف الحكوميَّة لكنَّ إدارتها لم تتم بشكل صحيح، إذ إنَّ هناك فجوة بين المواطن والمستثمر والمصارف".
وتطرق الزاملي الى أنَّ "المشاريع الموجودة في بغداد كثيرة لكنها مشاريع عامة ولا تخدم المواطن البسيط أو ذوي الدخل المحدود، إذ تعتمد على أربعة أمور رئيسة بعد منح الإجازة الاستثماريَّة، إذ تمنح ابتداءً بعد حصول موافقة الجهة المالكة للأرض وموافقة تخطيطيَّة إذا كانت بحدود أمانة بغداد أو خارج حدود المحافظة من دائرة التخطيط العمراني في وزارة الإسكان والبلديات، بعدها تُرسلُ الى الجهة المالكة أو التخطيطيَّة للتعاقد على الأرض ومصادقة التصاميم وتسليم الأرض وإزالة التجاوز إنْ وجد، إلا أننا نرى بأنَّ أغلب الوزارات عاجزة عن تنفيذ تلك النقاط، التي لو توفرت يمكن أنْ تقوم تلك المشاريع بشكل
جيد جداً".
ونبه الزاملي الى أنَّ "الوضع العام السياسي والأمني في العراق فضلاً عن الإقليمي والدولي جيد جداً وهو مقبلٌ على مشاريع هائلة جداً يجعل منه فرصة ذهبيَّة لتزاحم كل الشركات الاستثمارية في عموم القطاعات بضمنها السكنيَّة من قبل شركات دوليَّة ومحليَّة".
حل أزمة السكن
وفي كلمة ألقاها رئيس مجلس النواب العراقي تطرق فيها الى أزمة السكن وحلها على ثلاثة محاور تتمثل:
بـ"توفير سكن لمحدودي الدخل وذلك ببناء وحدات متوسطة لا تتجاوز كلفة الواحدة منها 42 مليون دينار، ودعم صندوق الإسكان لإعانة متوسطي الدخل، وإطلاق الاستثمار في قطاع الإسكان وإزالة جميع العوائق عن المستثمر خدمة للصالح
العام".