تعثر خطوات الانسحاب الأميركي من أفغانستان

بانوراما 2019/10/13
...

ترجمة: بهاء سلمان   دويل ماكمانوس
 
على الرغم من اعلان فشل المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان الأفغانية، تسعى  باكستان الى انجاح محاولات إعادة الولايات المتحدة الى طاولة المفاوضات، لكنها هذه المرة مع الشق الباكستاني من الحركة الأفغانية الدينية المتشددة. فقد اعلنت الحكومة الباكستانية مؤخرا عن اتفاقها مع الفرع الباكستاني لحركة طالبان الافغانية عن الاستعداد لدخول صالة المفاوضات مع الولايات المتحدة. 
 
 
ربما لم يلاحظ الكثيرون ذلك، لكن ادارة الرئيس الأميركي ترامب تسابق الخطى للوصول الى اتفاقية سلام مع مقاتلي حركة طالبان، الذين آووا سابقا الزعيم الارهابي اسامة بن لادن داخل افغانستان، ويواصلون قتالهم ضد القوات الأميركية منذ سنة


2001.
ومع آخر جولة من المباحثات السرية في دولة قطر، كان هناك أفق عن احتمال عقد اتفاق؛ لا يبدو جيّدا. 
ومن خلال ما تسرب من جميع الروايات، تضمنت مسودة الاتفاق انسحاب نحو 5400 جندي أميركي مقابل تعهّد طالبان بقطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، ولا يطلب من الاصوليين دعم الانتخابات الديمقراطية، أو ضمان الحقوق المكتسبة بصعوبة للنساء
الأفغانيات.
تلك المسائل الكبرى ستترك لمحادثات لاحقة بين طالبان وحكومة أشرف غني الأفغانية المدعومة من قبل الولايات المتحدة. ولغاية الآن، رفضت الحركة مثل هذه المحادثات، معتبرة حكومة كابول "نظام دمى" غير شرعي.
ومع ذلك، ربما يمثل الاتفاق المقترح السبيل الوحيد للولايات المتحدة للانسحاب من حرب طاحنة عجزت عن كسبها. 
ويبقى من غير المؤكد أن ينتج عن الاتفاق سلام طويل الأمد، فبعد 18 عاما، وموت أكثر من 2400 جندي اميركي واصابة عشرين ألف آخرين، إضافة لأكثر من 1100 قتيل تابعين لحلف الناتو، تبدو طالبان قد تمكنت من الحفاظ على الصمود أكثر من الأميركان. 
ويطلق القادة العسكريون الأميركان على الحرب اسم "المأزق"، لكن هذا أمر تفاؤلي، فالأرقام الصادرة عن البنتاغون توضح أن طالبان قد زادت من نسبة السكان الأفغان الخاضعين لسيطرتها، وعلى أقل تقدير، فإن هذا ما أوضحه البنتاغون لغاية ايقاف ادارة ترامب اصدار مثل تلك
الاحصائيات.
ولطالما استنكر ترامب الحرب، معتبرا إياها تبديدا للدماء والمال؛ ووعد خلال حملته الانتخابية بسحب جميع القوات الأميركية بحلول نهاية ولايته الأولى التي بقي لها 15 شهرا من الآن. 
قادة الحزب الديمقراطي بدورهم لا يريدون الاستمرار في الحرب أيضا، فمن بين خمسة مرشحين للرئاسة، وعد أربعة منهم بإخراج جميع القوات الأميركية بأسرع ما يمكن، أما جو بايدن، ومع القليل من الحذر، فقد أشار لنيته سحب "الغالبية العظمى".
 
الهموم الأميركية
تكمن مشكلة الولايات المتحدة بأنه ما زال لديها مصالح أمن قومي كبرى في افغانستان، تتعدى وعودها السابقة الطموحة ببناء الديمقراطية، وانهاء زراعة المخدرات وتعزيز حقوق النساء.
وكانت القوات الأميركية قد غزت أفغانستان بعد أسابيع من شن أسامة بن لادن، المحمي آنذاك من قبل طالبان، هجمات 11 سبتمبر سنة
2001. 
وقتلت عملية هجومية نفذتها المخابرات الأميركية سنة 2011 الزعيم الارهابي، لكن بعضا من أتباعه القياديين ضمن تنظيم القاعدة ظلوا يمارسون نشاطاتهم. وهناك مجموعة ارهابية، تعد الفرع الأفغاني لعصابات "داعش"، المعروفة بتنظيم خراسان، ربما تكون أكثر خطرا من طالبان.
تلك التهديدات هي السبب وراء بقاء القوات الأميركية والناتو لمدة طويلة جدا في البلاد، وكانت سببا بإرسال ترامب لثلاثة آلاف جندي إضافي سنة 2017، ليبلغ عدد القوات الى 14 ألف جندي. 
وبعد فشل التدفق العسكري بتحقيق تقدم ملموس، طلب الرئيس من البنتاغون الاستعداد لانسحاب جزئي، بيد انه تراجع وترك القوات تبقى بكامل عددها، بعد اعتراض الجمهوريين داخل 
الكونغرس.
حاليا، يتحدث الرئيس مجددا عن الانسحاب؛ لكن بعد اتهام السيناتورة لندسي غراهام لترامب بأنه يتصرّف مثل باراك اوباما، قال الرئيس انه يريد فقط سحب جزء من القوات، وليس كلها: "نحن نريد على الدوام أن يكون لدينا حضور، وسنعمل على خفض عديد قواتنا الى 8600 جندي، وبعد ذلك سنقرر من هناك؛ بحسبما سيحصل على الأرض،" هكذا صرّح ترامب للإعلام مؤخرا.
وبدا هذا مشابها لاقتراح قدمه بايدن قبل عقد من الزمن، حينما كان نائبا للرئيس: "تواجد عسكري أميركي منخفض لكنه متواصل، ويركز على مكافحة
الارهاب".
ورغم تذبذب المؤشرات، أعطى الدبلوماسي المخضّرم زلماي خليلزاد أملا بسير المحادثات.
وسيطالب الاتفاق طالبان، بحسب التسريبات، بحماية المناطق التي تسيطر عليها لمنع أفراد القاعدة وخراسان من كسب موطئ قدم لهما، كما إن عليها التعهّد بدخول مفاوضات حسنة النيّة مع الحكومة الأفغانية لإنهاء الحرب، متضمنة ترتيبات تقاسم محتمل للسلطات.
 
تنفيذ المعجزة!
وينتظر من الجانب الأميركي التعهّد بسحب غالبية أو جميع قواته على مراحل، بعدما تحافظ طالبان على التزامات محددة. 
وستبقي الولايات المتحدة أيضا على وحدات مكافحة الارهاب في المنطقة، مثبتة حقها بمهاجمة القاعدة أو أي فصيل ارهابي أينما كان. 
انها سلسلة معقدة من الالتزامات المتبادلة، وستنجح فقط إذا ما إتبعت جميع الأطراف: طالبان والحكومة الأفغانية والولايات المتحدة بنود الاتفاق؛ وستستلزم مهارة دبلوماسية، لكنه أمر لا تظهره إدارة ترامب الا 
نادرا.
يقول رايان كروكر، السفير الأميركي لدى افغانستان من 2011 لغاية 2012: "قد ينجح الاتفاق، وربما ما زلنا نعيش زمن المعجزات، غير أن الأمر سيتطلّب انتقالة دبلوماسية كبرى." 
ويرى كروكر زيادة نفوذ الولايات المتحدة داخل كابول فقط إذا أبقت قوة عسكرية فاعلة داخل البلاد، وبخلاف ذلك، حسبما يقول، ستكون النتيجة 
"الاستسلام".
ويأتي تقييم قاتم بالمستوى نفسه من جاريت بلانك، مساعد سابق في وزارة الخارجية الاميركية، والذي سعى لفتح محادثات مع طالبان خلال عهد الرئيس اوباما: "ربما سيكون هذا أفضل اتفاق يمكننا انجازه، وإلى حد ما، أفضل نتيجة محتملة هي تلك التي تجمّد الوضع الراهن، مع ادارة بعض مناطق أفغانستان من قبل طالبان، وادارة المناطق الأخرى من قبل الحكومة."
إن أي انسحاب مستعجل للغاية سيزيد من خطر انهيار حكومة افغانستان المركزية، واتساع نطاق الحرب الأهلية وشراستها، وستعود البلاد مرة أخرى ملاذا للارهابيين.
وفي حال حصول ذلك، سيتم وضع اللوم على ترامب، وهذه الخشية هي من تعمل على تقييده لغاية الآن. 
لكن معنى هذا أنه مهما يكن الشخص الفائز بكرسي الرئيس القادم سيكون ضمن رئاسة مناسبة واقعية سنة 2021، الا وهي الذكرى السنوية العشرون لأطول حروب أميركا.