بنجامين هاس - ترجمة: بهاء سلمان
لم تكن حالة التعارف سهلة مطلقاً لـكيم جيونغ سون، ففي بلادها الأم كوريا الشمالية، تتم معاقبة الأزواج المتشابكي الأيدي علناً في الشارع بتهمة {الاضرار بالنظام العام}؛ وعندما وصلت الى كوريا الجنوبية، غالباً ما كان الخاطبون المحتملون ينفرون من حقيقة كونها قد ولدت في كوريا الشمالية.ومع تحفظات معينة، مضت في موعد متهور مع رجل جنوبي قبل ثلاث سنين، كان اسمه كيم جونغ إيل، الذي يلفظ في الجنوب بطريقة مختلفة بعض الشيء عن اسم طاغية كوريا الشمالية الراحل. تناولا الطعام في مطعم للوجبات السريعة مع كأس من الجعة، وانطلقا يتحدثان في حوار عن الزواج والطلاق وكيف سيكون وضع المستقبل لكليهما. تقول كيم: {رجال كوريا الجنوبية أكثر ملاطفة وتقديرا للمرأة مقارنة بالشماليين، كما انهم أكثر وداً. لكنني حقا أصبت بالدهشة حينما لاحظت لأول وهلة الطريقة التي يرتدي بها الجنوبيون الملابس، فمن خلال بعض الوسائل يبدو أنهم يهتمون بالموضة أكثر من اهتمامهم بالنساء}.”
وبعد ستة أشهر من أول لقاء بين الطرفين حصل الزواج. لم يكن هذا الأمر ليمثل لهما سبباً للاحتفال فقط، بل مثل أيضا قصة نجاح أخرى للمرأة التي رتبت لقاءهما، فقد ساعدت هان يوو جين حوالي 300 رجل و300 امرأة على الزواج منذ انطلاق أعمال شركتها المختصة بالوساطة لأجل التزويج، “لوف ستوريا”، قبل أربع سنين، ووسط خضم نسب متباينة بين الجنسين، وفوارق ثقافية، ورغبة بين الكثير من اللاجئات الشماليات للاحساس بالأمان في موطنهن المتبنى، انبثقت مصلحة تجارية تقدم خدماتها للرجال الجنوبيين العازبين والنساء القادمات من كوريا الشمالية، الساعين جميعاً الى الزواج.
مهنية عالية
علاقة هان الشخصية جعلتها الطفلة المدللة حرفياً، فيما يخص مصلحتها التجارية، فقد التقت زوجها الجنوبي في احدى الحفلات الخاصة بالزبائن المحتملين، وتملأ صور يوم زفاف الاثنين موقع الشركة الالكتروني، جزء من خدماتها تجعلها وسيطة زواج، والجزء الآخر يجعلها معالجة لأنها غالباً ما تتوسط بالنزاعات الناشبة بين الأزواج، حتى بعد زفافهما. تقول هان: “هناك مقولة قديمة:”ان تمكنت من تدبير ثلاث زيجات، فلذلك تستحق الدخول للجنة” وهذا يظهر حجم التحدي الكبير الذي يواجهه الطرفان، الرجل والمرأة، كي يقدما على الزواج.”
أما هونغ سيونغ وو، وهو وسيط زواج آخر، فيقول “ان نسبة الطلاق بين الأزواج المختلطين من الكوريتين تقل عن خمسة بالمئة عن المعدل الوطني لكوريا الجنوبية. غير أن هذا القطاع لديه مشاكله الخاصة، ليس من أقلها حقيقة بقاء الشك في الجنوب حيال الكوريين الشماليين، ففي كوريا الجنوبية، يتم تثقيف الناس للاعتقاد بأن الكوريين الشماليين هم جميعاً أناس سيئون، وأنا شخصياً اعتقدت بحصول شيء سيئ لي لارتباطي بامرأة قادمة من الشمال،” كما يقول هونغ، الذي شرع بشركته المتخصصة بوساطات الزواج سنة 2006 بعد اقترانه بـ”جو جيونغ اوك”، وهي امرأة كورية شمالية.
وواجه القطاع أيضا انتقادات لتعزيزه النماذج النمطية للنساء الكوريات الشماليات، فما نسبته 72 بالمئة من الـ31 الف لاجئ شمالي مقيم في الجنوب هم من النساء، كما شهدت السنون الخمس الماضية نسباً أعلى من اللاجئات، بحسب بيانات مستقاة من وزارة الوحدة الكورية الجنوبية.
وتشير كيم سو كيونغ، الباحثة في معهد كوريا التابع لوزارة الوحدة، الى وجود مخاوف من احتمال كون هؤلاء النسوة قد تمت المتاجرة بهن بشكل مفرط. وتقوم كيم بتحليل الممارسات التسويقية لوسطاء الزواج، وأصيبت بالفزع حيال المبالغة بالتركيز على “الدم الكوري النقي” في وصف الفوائد، وكيفية تصوير النساء بالمطيعات. تقول كيم: “أشعر بالقلق من تبلور هذا الحال الى ادراك عام مفاده أن النساء الشماليات عبارة عن حاجات تشبع الرغبة الجنسية، بدلا من كونهم من البشر.”
حكاية أليمة
وتتحدث قصة هان عن هذا النوع من المخاوف، فقد غادرت بلادها بالحاح من جدتها، التي هربت عبر الحدود الى الصين خلال حرب 1950 – 1953 الكورية، وورثت ضعف الفرص المتاحة أمام النساء في موطنها. أما خالة هان، فقصتها تخدم الآخرين كحكاية تحذيرية، حيث درست الفيزياء وتصوّرت مستقبلها العملي بوظيفة تتعلق بتصنيع الأسلحة لصالح برنامج كوريا الشمالية النووي، لكنها صارت ربة بيت بعد التخرّج، بحسب هان.
الأمر يتعلّق بهذا النظام الذكوري التسلطي الراسخ الذي كان له الدور الفاعل في الجانب الجنوبي من كوريا لتصوير نساء كوريا الشمالية كزوجات مطيعات يؤدين الأدوار الجنسية التقليدية بامتياز، “كما كان الحال في الجنوب في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين،” كما ترى هان.
وتميل الشماليات الى تفضيل الرجال المستقرين مالياً، ويستبعدن الذين يملكون القليل، والرجال الضخمين، الذين يبدون مشابهين ولو قليلا للزعيم الحالي “كيم جونغ اون”، كما تبين هان، ومحياها تعلوه ابتسامة معبّرة.
وبعد ثلاث محاولات هرب فاشلة، تلقت في كل مرة عقاباً شديداً داخل معسكرات العمل السيئة السمعة في كوريا الشمالية، وصلت هان الى الجنوب سنة 2001، وعملت محصّلة اجور في الطريق السريع، ومن ثم في قطّاع وساطة الزيجات، قبل شروعها بشركتها الخاصة ضمن نفس المصلحة التجارية.
هان واثقة من استمرار عملها برغم تكاثر انتشار تطبيقات الانترنت الحديثة بهذا الخصوص؛ وتؤكد بتفضيل اللاجئات الشماليات للمواجهة المباشرة وجهاً لوجه، وغالبيتهن لديهن ريبة من التقنية، ويقلقن من كشف حتى أبسط التفاصيل الشخصية عبر وسائط الانترنت الاجتماعية.
صحيفة الغارديان البريطانية