باقر صاحب
إذا كان الشاعر الراحل نيما يوشيج (1855 - 1995) سيّاب الشعر الإيراني، لأنّه حطّم قوالب الشعر الكلاسيكي في بلاده، فإنّ الراحل أيضاً أحمد شاملو ( 1925 - 2000) يوصف بأنّه أدونيس الشعر الإيراني المعاصر، الكاتب يوسف عزيزي أوجد هذه المقارنة اللمّاحة بين أدونيس وشاملو، لأنّ الأخير يوصف بأنّه مؤسّس قصيدة النثر الإيرانيّة.
تأثّر شاملو بكبار الشعراء مثل (بول ايلوار، لوركا، روبير دسنوس، سنغور، هنري ميشو)، وترجم كتاباتهم وكوكبة أخرى منهم إلى الفارسية سعياً منه إلى تحديث الشعر هناك، وتخليصه من الوزن والقافية، ويصفهما شاملو بأنّهما تعيقان التّوق الحقيقي للشاعر في قول مايريد أن يقوله، إعاقة تتمثّل في اضطرار الشاعر إلى الحشو، وهو بإمكانه البوح بما يريد من دونه وباختيار حرّ للمفردات والصور؟!، وكما يُثار الجدل هنا وينتقد روّاد قصيدة النثر وكتّابها الآن بشأن كينونة هذا النمط شعراً أم لا، يدافع شاملو عن شعره فيقول "هو شعر لا يريد أن يظهر على شاكلة الشعر… ربما هو رقص لا يحتاج إلى إيقاع أو موسيقى حسّيّة، أو خمر لا تسعها كأس ذهبيّة". حرية شاعر النثر من دون حدود تتيح له صهر أطر حياته الضيقة في بيئة معينة كبيئتنا المحليّة في الانفتاح الحر على تجارب الشعوب وميراثها الفكري والمثيولوجي والثقافي وعلى تجارب كبار مبدعيها.
الإنتاج الابداعي والبحثي والترجمي الغزير لشاملو يدلّ على تكريس معظم حياته لعالم الكلمات، على الرغم من أنّه لم يكمل دراسته، لكنّه انخرط في عالم الصحافة مبكراً، اهتمّ لاحقاً بالصحافة الثقافية، ترأس تحرير صحف عديدة، كتب مقدمة لمجموعة (يونيما يوشيج) وهو لا يزال في العشرين من عمره، أصبح عضواً في مجمع اللغة الفارسية وأستاذاً زائراً يلقي محاضرات في جامعات أوروبا وأميركا. وحظيَ القارئ العربي بالاطلاع على تجربة شاملو، بفضل المترجمة والشاعرة الإيرانيّة مريم حيدري، التي جمعت مختارات من أشعاره في كتاب "حديقة المرايا" الذي صدر في العام 2016 عن الهيئة لقصور الثقافة في مصر. القارئ الدائم لشعر شاملو يكتشف تطويعاً متجدّداً لمفرداته وصوره يستثمرها في نصوص حب صافية، لكنّها نافضة لرومانسيتها، مشتبكة مع انشغالات الإنسان المعاصر بابعادها السياسية والاجتماعية
والثقافية. نستشف من تجربة التحديث في الشعر الإيراني ورائدها أحمد شاملو وقبله يونيما يوشيج، أن الشعر في مختلف بلدان العالم له فرسانه المجددون، وهؤلاء هم أوائل من يقع عليهم اللوم والتقريع مروراً باستهجان تجاربهم التجديديّة وانتهاء بإلغائها والحكم عليها بأنّها ستندثر بعد زمن، وكما في شعرنا العراقي والعربي، يبرز دائماً من يتسلمون راية التجديد من سابقيهم، مثبتين للمحافظين أنّ التجديد صنوَ الحياة، كلاهما نهر جارِ تتبدّل مياهه كلّ لحظة.