العشيرة في قفص الاتهام

آراء 2018/11/16
...

حمزة مصطفى
 
ليست "الدكة العشائرية" ،شيئا طارئا على التقاليد والقيم القبلية بصرف النظر إن كانت بالية من وجهة نظر المدنيين أم ليست كذلك من وجهة نظر المحافظين ، فهي في النهاية جزء من سلسلة مفاهيم درجت عليها العشائر طبقا لما يسمى "السواني" التي هي الاعراف العشائرية. لاعلاقة لقوة القانون أو ضعفه في ذلك. فالسواني ومنها الفصول العشائرية كانت موجودة على امتداد العراق حتى بعد أن أصبح  العراق دولة أوائل عشرينيات القرن الماضي ، حين أصبحت للدولة قوانين مدعومة بسلطة قوية وصلت في بعض مراحلها حد البطش لمن يخالف ظالما أم مظلوما.
 في النهاية لاتوجد صلة بين القانون الذي يجب أن يأخذ مجراه عند حصول جناية او جريمة أو حتى جنحة وبين ماتقوم به العشيرة من إجراءات تحرص أشد  الحرص على ألا تصطدم بالقانون أو تكون بديلا عنه. فالقانون يأخذ مجراه في عموم المخالفات، صغيرة كانت أم كبيرة عبر مايسمى "الحق العام" حتى في حال تنازل الطرف المتضرر عن حقه لهذا السبب أو ذاك عبر الحق الخاص. أي أن القانون يطبق في النهاية بصرف النظر عن تراضي الطرف المشتكي أو المشتكى عليه أو المدعي بالحق الشخصي أو ولي الدم.
إذن ما الذي حصل بحيث أضطر وزير الداخلية السابق قاسم الإعراجي الى التعامل مع "الدكة العشائرية" بوصفها إرهابا طبقا للمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب وهو ماجسده قرار مجلس القضاء الأعلى الذي دخل حيز التنفيذ مؤخرا؟ الذي حصل أن العشيرة أصبحت بديلا عن الدولة والقانون والدستور دفعة واحدة. ربما يعترض على هذا التوصيف شيوخ العشائر الأصليون الذين طالما يظهرون في وسائل الإعلام، معبرين عن تذمرهم مما يجري باسم العشيرة، مطالبين في الوقت نفسه انزال اقصى العقوبات بحق المتاجرين بالعشيرة أو الخارجين عن
 القانون.
طبعا هذه مفارقة لافتة للنظر حقا، فحين يشكو شيخ عشيرة "اصلي" وليس من شيوخ "الدمج" أو التسعينيات مثلما كان يطلق عليهم من المخالفات التي يقوم بها افراد باسم العشيرة، فإن أقل مايعنيه ذلك أن الشيخ الاصلي لم يعد قادرا على التأثير في محيطه. ويبدو ان الأمر أصبح بالفعل كذلك. فالدولة اضطرت في النهاية الى اصدار قرارها بالتعامل مع "الدكة العشائرية" بوصفها إرهابا. فالعشيرة هنا كمنظومة مجتمعية يقول شيوخها إنهم مع فرض القانون ومع أي إجراء تتخذه الدولة، غير أن واقع الحال يشير الى غير ذلك تماما، أقله عدم السيطرة على النزاعات العشائرية ومنها "الدكات" التي باتت تستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة، بينما هي في الأصل مسألة تحذيرية بحتة، كانت تستخدم فيها أيام زمان، ان حصلت ، بندقية صيد
 "كسرية". 
في الواقع أن قرار مجلس القضاء الأعلى وضع العشيرة في قفص الاتهام بصرف النظر ان كان من يقول من ممثليها انهم مع الدولة والقانون والدستور. فـ "الدكة" في النهاية جزء من المنظومة العشائرية من "قالوا بلى" أما الإرهاب فوافد  وبالتالي فإن الربط بين الإثنين يتطلب فك اشتباك والا تبقى العشيرة في قفص الاتهام حتى تثبت العكس.