د. كريم شغيدل
أعتقد جازماً أن رئيس الوزراء المكلف السيد عادل عبد المهدي سيتأخر في إتمام الكابينة الحكومية، وخيار السلة الواحدة سيكون صعباً أمامه، فضغوطات الكتل أكبر مما نتصور، كل سياسيينا يدينون المحاصصة في العلن، ويحاولون تجميلها بمصطلحات بديلة، توافق أو شراكة، كلهم متفقون تقريباً على أن المحاصصة رأس البلاء، لكنهم بصريح العبارة غير مستعدين للتنازل ولا يترددون من المطالبة بما يعتقدونه حصة مكوناتية أو حزبية، بل وصل الأمر إلى حصص عشائرية، ويبدو أن غالبية الاختيارات تنتج عن أزمات، إذ يصل الأمر ببعض الكتل أن تطرح مرشحين لا يساوم عليهم، فلان وإلا فلا، وعلى الضد من ذلك تصر كتلة مقابلة على الرفض القطعي لفلان وتطرح علان بديلاً عنه، وهنا يأتي الحل من طرف ثالث، لا فلان ولا علان ليقع الخيار على مرشح أزمة، عادة ما يكون أقل كفاءة وخبرة، وهكذا تجري الأمور مع سعي الجميع لاختراع مبررات ومسوغات بتأويل مبادئ الديمقراطية وتقويض أسسها.
منذ حوالي عقد ونصف وأنا أرقب حركة تقاسم المناصب من أعلاها إلى أدناها عن كثب، فمذ قامت العملية السياسية في عراق ما بعد التغيير وسقوط صنم الرعب، أصبحت المحاصصة واقع حال، يأتي مرشح الكتلة الفلانية ليصبح وزيراً وسرعان ما تتحول الوزارة إلى صورة نمطية تمثل ذلك المكون أو تلك الكتلة، يأتي ومعه بطانته من الحزبيين والمتحزبين وذوي القربى والأصدقاء والمريدين، وتدريجياً يتحول إلى مجرد آلة للتوقيع، فثمة من يملي عليه، وثمة من يسير أمور العمل ويوزع المنافع والمكتسبات، يأتي مرشح الكتلة فيصبح مديراً عاماً أو رئيس هيئة، فتتشكل بطانته تلقائياً، ينضم إليها بعض أنصاف الموهوبين والفاسدين والمتملقين ممن يتصدرون المشهد، وتدريجياً يتم إقصاء الكفاءات، والأمثلة على ذلك لا تعد ولا تحصى، ذوو الخبرة والكفاءة والمهنية والنزاهة لا مكان لهم في بطانة المسؤول، لسببين: أولاً سيكشفون ضحالة المتسلقين، وثانياً سيكشفون جهل المسؤول، لذلك تتحمل الكتل مسؤولية الفشل الذي أصاب مختلف القطاعات نتيجة تولي البعض لمناصب ليسوا جديرين بها، ما أسهم بتفشي الفساد والإثراء على حساب المال العام وخلخلة الأداء الوظيفي في هذه المؤسسة أو تلك.
إن حرمان البلد من بعض الكفاءات التي يمكن أن ترتقي بمستويات الأداء أو تحد من ظواهر الفساد يعد جريمة بحق الدولة والمجتمع، فبعض الصغار الذين نافسوا الكبار وأسهموا بإقصائهم يأخذهم الزهو بالانتصار، ويصدقون بأنهم صاروا أبطالاً وجرافات لا يقف في طريقها أحد، والواقع إن الكبار يترفعون عن السباق غير المتكافئ، فينسحبون غير آسفين على شيء، وهكذا تمت عملية تفريغ مؤسسات الدولة ممن لو أتيحت لهم الفرصة لما وصلنا إلى ما نحن عليه الآن، هاجر من هاجر وتقاعد من تقاعد وانزوى من انزوى مرغمين، قد يكون عزاؤهم الوحيد إنهم لم تتلطخ أياديهم، لكن هل سيعفيهم التاريخ من المسؤولية؟