ترجمة: سهيل نجم
فيرن نيوفيلد ريديكوب*
كنت قد عملت على تطوير مفهوم البنية المحاكاتية للتراحم بعد أن قمت بتحليل أزمة اوكا/ كانيساتاكي. نشأ لدي إحساس بالخشية من وجود شيء أقوى من جميع الأفراد الذين كانوا متورطين في الصراع يدفعهم إلى افتراض وجود إطار مرجعية عنيف ويجعلهم يفعلون أشياء كانوا سيرون في مواقف أخرى، أنها بغيضة. بدا الأمر كما لو أن هناك يداً خفية تحركهم، إلى درجة أن المرء في مراحل مختلفة يكاد يسمع “الممثلين” يقولون: “لم يكن لدي خيار آخر سوى...” لأني فكرت طويلاً في هذا المفهوم وراقبته وهو يمارس تأثيره على الحوادث، فقد رأيت ذلك يحصل لي شخصياً في بعض المواقف التي تنطوي على صراعات؛ بعد مجادلات مع زوجتي شعرت بالانزعاج بشأن بعض الأمور التي قلتها، لأن تلك الأمور لم تكن تتماشى مع الحب الذي افترض أني أبادلها إياه. عندما تأملت عميقاً في هذه البنى أدركت أن لا بد من وجود شيء أقوى في قوته الحركية من البنى المحاكاتية للعنف هذه. فيما كنت ابحث عن كلمة تعبر عن دافع ايجابي يقابل القوة السلبية التي يتضمنها العنف، تذكرت دراسة موسعة كنت قد أجريتها على كلمة “أرض” التي وردت في سفر التثنية وارتباط الأرض بالبركة أو التراحم. في ذلك السياق، كانت الأرض مصدر البقاء، وتلبية الحاجات، والازدهار. الأرض بوصفها بركة تشكل جوهر البقاء والحياة بصورتها الشاملةــ الأرض هي الديمومة، والوجود الخلاق الذي يستمر من جيل إلى الآخر. سألت الكثير من الناس عن كلمة يمكن أن تعطي المعنى نفسه وحتى الآن لم اعثر على كلمة أفضل لتعبر عن المفهوم الذي أريد نقله من كلمة “تراحم”.
لأن مفهوم البنية المحاكاتية للعنف هو المفهوم الأول الذي عملت على تطويره، فقد شكل وسيلة مساعدة لاكتشاف البنى المحاكاتية للتراحم. هذا لا يعني أن العنف هو نقطة البداية. لقد ناقش ماثيو فوكس هذا بأسلوب بليغ وقال : إن النظرة إلى عالمنا تكشف عن أسبقية التراحم الذي يوجه مسار العالم وما العنف إلا شيء دخيل. لقد أصبح العنف هو المسألة الجوهرية في وقتنا الراهن، خاصة وأن الأمر يتطلب الكثير من التراحم للتغلب على الانطباع القوي الذي يخلفه العنف في عالمنا. في الدين الإسلامي، تضاعف الحسنة بعشرة أمثالها. أما السيئة فجزاؤها لا يتعدى سيئة مثلها. اتضح لي أن الأمر يتطلب كتابة عشرة مقالات صحفية ايجابية عن شخص معين للتعويض عن الأثر الذي تتركه قصة سلبية سبق أن كتبت عنه. عن طريق اختراق بنى العنف والوصول إلى أعماقها يمكننا تلمس نقاط ضعفها. يؤمن لنا تفكيك البنى المحاكاتية للعنف، فاللبنات الضرورية ليس لإحياء بنى التراحم فحسب، لكن لخلق بنى جديدة ربما لم نكن نتخيل وجودها أيضاً. كان الهدف من دراستي للعنف لمدة أكثر من عقد محاولة اكتشاف مسارات التراحم ضمن سياق الصراعات المستمرة والتأثيرات
المدمرة للعنف.
* كاتب وصحفي كندي مختص ببناء المصالحة والسلام