لنتقبل الاختلاف

العراق 2019/10/22
...

 
عبد الستار جبر
 
مازلنا غير قادرين على البوح، بصوت عال، بآرائنا ورغباتنا، مازلنا لا نستطيع كشف ذواتنا أمام الآخرين بحرية، فهواجس الخوف والريبة تجاه الآخر تستحوذ على مشاعرنا، فتكتم افواهنا، الا الى الذين نعرفهم ونطمئن اليهم، وهم قلة، وليست هذه حرية نتمتع بها، والحرية المضمونة في الدستور لا تهدئ من قلقي حين ارغب بالتعبير عن رأيي امام الآخرين لكنني اخشى ان يكون احدهم مختلفاً عني، يختلف معي في الرأي، في العقيدة، في المذهب، بل حتى في المذهب نفسه ثمة مخاوف لأنه لم يعد مذهبا موحدا، فللاختلاف في العراق ضريبة قاسية جداً، تسلب حياتك منك لأنك مختلف، لأن لك هوية أخرى وحتى ان كنت قد ورثتها عن ابائك، او كنت رافضاً لها.
لم يعد اختلافنا رحمة، كما كان يتباهى رسولنا الكريم بأمته التي تختلف، فيكون اختلافها رحمة، لكنه بات علينا نقمة، هنا في العراق، نحن أمة تعلمت كيف تختلف لتدمن القتل على مذبح النقاء المزيف ووهم الانتماء والهوية المقدسة، لكنها نست او تناست بتعمد غريب جدا، ان الدين جاء من اجل الانسان، من اجل حياته، من اجل كرامته وحريته، وليس من اجل بضعة اوهام، تمسخ العقول وتفسد الاخلاق، فتجعل من القتل طقسا للتقرب منها.
ليس الاختلاف في الدين وحده، يمثل ازمتنا الوحيدة، فثمة الاختلاف في السياسة، فقد تطبعت احزابنا وميليشياتنا بطابع الصراع الطائفي والفرقة، وانتقلت عدوى الاختلاف اليها، والمشكلة ليست في التعددية ذاتها، لا في تعدد الفرق والطوائف دينيا، ولا في تعدد الاحزاب سياسيا، انما في تقبلها وتعايشها، احدها للآخر، وليس في صراعها ورفض بعضها البعض، فيما ندفع نحن ثمن صراعين مريرين هما؛ الصراع الديني من جهة والصراع السياسي من جهة اخرى، وقد خطت دماؤنا التي سفكت باسميهما اللافتات والشعارات التي يكتبونها او ينادون بها. 
نحن بلا حرية، والسقوط الذي مثل عهداً جديداً، مازال تاريخاً للسقوط وليس النهوض، فالحرية لا تعيش مع المخاوف، ونحن مازلنا خائفين، لأننا مازلنا ندفع ثمن اختلافاتنا، ولم نتعلم كيف نختلف من دون ان نشعر برغبة في القتل او الانتقام، ان نتعلم نتعايش مع اختلافاتنا، ان نحتفي بهذه الاختلافات، لأنها ستمنحنا الحرية والنهوض لعهد جديد .