ما إن أنهى المصلون صلاة الجمعة في جامع الفاتح أحد أشهر جوامع اسطنبول؛ حتى هرع المئات منهم إلى باحة الجامع لأداء صلاة جنازة الغائب على روح جمال خاشقجي، الصحفي والمعلق السياسي السعودي، بفعل غياب جثته، وفشل جهود التحقيق في العثور على أثر لها، بعد مرور أكثر من 40 يوما على قتله داخل قنصلية بلاده في اسطنبول.
صلاة الغائب في دولة لا تصليها
وأقيمت صلاة الغائب امس الجمعة على الرغم من أن المذهب الإسلامي الرسمي للدولة التركية يشترط وجود الجثة للصلاة عليها.
وقال الشيخ عصام تليمة، من علماء الأزهر، لـ»الصباح»: إن «الأتراك أحناف منذ أيام العثمانيين وحتى الآن، والمذهب الحنفي لا توجد فيه صلاة الغائب أصلا، والدولة التركية تأخذ بشيء غير مذهب الدولة معنى هذا أن الأمر جلل، وكبير جدا، ومهم جدا، وله دلالة، وهذا لا يلتفت إليه أحد بسهولة».
وشارك تليمة في معظم الوقفات والتجمعات التي نظمت احتجاجا على مقتل خاشقجي عند مقر القنصلية السعودية في اسطنبول ومواقع أخرى.
وذكر تليمة أن الرسالة التي يبعث بها من خلال مشاركاته هي «لا أريد أن يتكرر ما حدث لخاشقجي وأن يعاقب، ولا يفلت من فعل هذا الأمر مع خاشقجي».
وشهدت أكثر من ولاية تركية بينها العاصمة أنقرة أداء صلاة الغائب على روح خاشقجي.
حضور للحزب الحاكم وتأكيد
للموقف التركي
وحضرت قيادات في حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم صلاة الجنازة على روح خاشقجي، مؤكدة التزام تركيا بملاحقة قتلته وآمريهم، وتقديمهم للعدالة.
وقال أحمد حمدي تشاملي، النائب في مجلس الأمة التركي عن حزب العدالة والتنمية الحاكم، في تصريحات لـ»الصباح»: إن «الحكومة التركية ممثلة برئاسة الجمهورية عازمة على متابعة القضية»، مضيفا أن «تركيا تحرص على كشف حقيقة نوايا مقتل خاشقجي، ومن يقف خلفه، وأنها لن تترك هذه القضية بكل أبعادها، وقد كشفت خيوطها بنسبة 90 بالمئة».
وعبّر تشاملي، النائب عن ولاية اسطنبول، عن اعتقاده بأن «المستهدف من مقتل خاشقجي الجمهورية التركية، وشخص الرئيس رجب طيب إردوغان».
وتتمسك السلطات التركية بتوجيه أسئلة لنظيرتها السعودية للكشف عن مصير جثة خاشقجي.
وقال ياسين أقطاي، مستشار إردوغان الحزبي، في كلمة له عقب صلاة الجنازة: «قد يكون قتلة خاشقجي تخلصوا من جثته، ولكن أفكاره التي ناضل من أجلها انتشرت في العالم أجمع»، مجددا عدم تصديق تركيا بأن قتلة خاشقجي تحركوا بمفردهم.
رفض الرواية السعودية الأخيرة عن مقتل خاشقجي
ورفضت رابطة أصدقاء خاشقجي حول العالم، التي أسست الشهر الماضي ودعت للصلاة على القتيل، رواية النيابة العامة السعودية الأخيرة عن تفاصيل مقتله، وتبرئة محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، من دمه.
وقال معتز مطر، الصحفي المصري المعروف وعضو رابطة اصدقاء خاشقجي، لـ»الصباح»: إن «رواية النيابة العامة السعودية هي الرواية الرسمية الرابعة للرياض، وقد كتبت أمس ان من الطبيعي أن تكون هناك قصة تصدر منها 4 طبعات، ولكن أن تصدر رواية من 4 نسخ فاعتقد أن هذه حركة جديدة تماما».
ورأى مطر «لا أحد يصدق الروايات السعودية صغيرا وكبيرا متواطئا وضدا»، ذاهبا إلى أن «الحقيقة الكاملة لا تخفى على أحد، وستصل هذه القضية لخط النهاية الذي هو محمد بن سلمان».
وطالبت رابطة أصدقاء خاشقجي بتحرك المجتمع الدولي لتحقيق العدالة في قضية قتل خاشقجي.
وقال أيمن نور، السياسي المصري وصديق خاشقجي منذ أكثر من 3 عقود: إن «بيان النيابة السعودية لا يعبر عن العدالة التي كنا ننتظرها، وهو بيان مرتبك ومختلط، ولا توجد فيه معلومة تتفق مع معلومة أخرى أو مع الروايات السابقة، مطالبا «الدولة التركية، والضمير الإنساني، وكل شعوب العالم الحر بالالتفات إلى البيان السعودي الذي يخلط الجد بالهزل، ويحاول التنصل من المسؤولية الجنائية والسياسية».
وكانت النيابة العامة السعودية أعلنت، الخميس، أن رئيس فريق التفاوض مع خاشقجي لإعادته إلى السعودية أمر بقتله، وأن جثته قطعت ونقلت خارج مبنى القنصلية في اسطنبول، وأن مسؤولين دون ولي العهد محمد بن سلمان تورطوا في جريمة
القتل.