اللاجئون الأكراد السوريون وتجدد المأساة

بانوراما 2019/10/29
...

ترجمة/ بهاء سلمان  باتريك ماكدونيلمايرز

عندما قصفت المدفعية التركية حيّها السكني، جمعت هيفاء أحمد أطفالها وهربت الأسبوع الماضي من القامشلي، المدينة ذات الغالبية الكردية الواقعة على حدود سوريا الشمالية مع تركيا. حاليا، هيفاء وأطفالها الأربعة، ومعها شقيقتها وطفلاها الصغيران، تأويهم خيمة قماش رقم 278 ضمن مخيّم تزداد أعداده بسرعة، تديره الأمم المتحدة على أراضي سهول كردستان العراق.

"هل بامكانكم مساعدتنا للانتقال الى بلد آخر؟" هكذا سألت هيفاء مجموعة من زوار غربيين قدموا الى المخيّم المترامي الأطراف، الباعد أكثر من مئة كيلومتر شمال غربي أربيل، عاصمة كردستان العراق، مضيفة: "كم يمكننا العيش بهذا الحال؟"
وشهد شمال شرق سوريا نزوحا ضخما للأهالي بعد بدء المعارك، هرب أغلبهم جنوبا لمناطق خاضعة لسيطرة قوات يقودها الأكراد، أو لسلطة الحكومة المركزية السورية في دمشق. غير أن آلاف الأكراد السوريين فروا باتجاه الأراضي الخاضعة لسيطرة حكومة اقليم كردستان شمالي العراق ولايزالون منذ بدء تركيا لعملياتها العسكرية بداية الشهر الحالي.
 
أوضاع غير مستقرة
وبقيت منطقة العمليات خلال الأيام الماضية تشهد خروقات لاتفاق وقف اطلاق النار المعلن لخمسة أيام، مع تهديد الرئيس التركي أردوغان بسحق القوات الكردية اذا لم تنسحب من المناطق المحاذية لحدود بلاده، حيث تنظر أنقرة لهذه القوات كونها ارهابية؛ مع اعتبار الأكراد السوريين للقوات العربية التي تدعمها تركيا ارهابية ترتبط بعلاقات مع تنظيم القاعدة ومجاميع متشددة أخرى. 
ويتّهم الأكراد أنقرة بمواصلة التطهير العرقي للأكراد شمالي سوريا، وهي مزاعم تنفيها تركيا.
ويمثل الأكراد السوريون الواصلون الى هنا الموجة الأحدث من اللاجئين في منطقة كانت وجهة لدفعات تدفق متعاقبة لأشخاص فروا من نزاعات اقليمية؛ ففي سنة 2014، استقبلت هذه المنطقة ما يقدر بنصف مليون عراقي، بضمنهم أعداد من الطائفة الايزيدية والمسيحيين والمسلمين الشيعة وغيرهم، 
الذين هربوا من بشاعة اعتداءات عصابات "داعش" الارهابية. وبقي العديد من هؤلاء عالقون في المناطق المجاورة لمدينة دهوك، حيث تأوي تلك المحافظة الكردستانية ما يقارب من 24 مخيّما للنازحين العراقيين واللاجئين السوريين.
وسيبقى الجميع بانتظار ما سينتج عن آخر منعطف في النزاع السوري المأساوي، مع مخاوف من أزمة لاجئين كبرى جديدة. ويتم توجيه اللاجئين السوريين الفارين حاليا الى كردستان العراق صوب مخيّم باردراش اذ تمت اعادة العمل به كمأوى للاجئين مجددا. 
ولغاية العشرين من الشهر الحالي، استقبل المخيّم أكثر من ثلاثة آلاف كردي سوري، لكن من المتوقع استقبال أعداد أخرى أكبر من ذلك خلال الأيام القادمة، خصوصا في حال استئناف القتال شمالي 
سوريا.
 
أعداد متزايدة
كل يوم، يتدفق مئات الأكراد السوريين الى المخيّم، تقلّهم حافلات صغيرة عبر الحدود السورية. 
ويصف اللاجئون اندفاعا فوضويا من سوريا، يتضمّن دفع مبالغ لمهربين انتهازيين يعملون على مساعدة الهاربين، سواء مشيا على الأقدام أو بالعجلات، ويوصلونهم الى الحدود العراقية. 
وبحسب قول اللاجئين، برزت الحاجة بشكل شديد الى المهربين، الذين يتقاضون 700 دولار عن كل فرد، لأن المسؤولين في ادارة المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الكردية شمالي شرق سوريا يمنعون الناس من المغادرة، لخشيتهم، كما هو واضح، من هجرة جماعية لقاعدتهم السكانية 
الأساسية.
"عندما تسمع أصوات القصف والتفجيرات، أول شيء يتبادر الى تفكيرك هو حماية أطفالك والخروج من المنطقة،" كما يقول يوسف عباد، 26 عاما، الذي هرب مصطحبا زوجته وابنته الرضيعة من مدينة رأس العين. 
ويتحدث جميع اللاجئين هنا عن خوف هائل من المجاميع المسلحة المدعومة من الجيش التركي، وغالبيتهم من المتمردين السوريين، والذين ارتبط العديد منهم قبل ذلك بمجاميع اسلاموية متطرّفة. 
وكان المقاتلون الأكراد السوريون والمنتمون لقوة علمانية التوجه كانت تدعمها واشنطن سابقا، قد ساهموا بشكل كبير في دحر "داعش" ومجاميع أخرى متمردة شمالي سوريا. لكن الأكراد السوريين يقولون أنهم حاليا يهربون من المسلحين المدعومين تركيا. 
"سمعنا صيحات تقول الله أكبر، وهو ما اعتاد المقاتلون المتطرفون على قوله أثناء المعارك، لنعلم حينها بوجوب مغادرتنا من تلك المنطقة بأسرع ما يمكن،" يقول عباد متذكرا، مضيفا أنه كان منخرطا ضمن برنامج لتدريب الشباب وتشغيلهم في رأس العين.
 
مخاوف متعددة الأوجه
ولدى بعض اللاجئين السوريين قلق حذر من تقدم قوات الجيش السوري، فمع خسارة القوات الكردية للدعم الأميركي، قامت بدعوة قوات الرئيس الأسد للعودة الى المنطقة، التي انسحبت منها بشكل كبير سنة 2012. 
ويشير بعض الرجال الأكراد السوريين الى خشيتهم من تجنيد الحكومة السورية لهم، أو ربما كونهم من المطلوبين لدى دمشق؛ بيد أن مستوى الرعب من عودة قوات الحكومة السورية لا يقارن بالهلع الذي تثيره حالة الاجتياح التركي ومجاميع المقاتلين الموالين له، الذين أعادت أنقرة تسميتهم بالجيش الوطني السوري.
تقول هيفاء: "نحن نعرف النظام، وتعايشنا معه من قبل لفترة طويلة، غير أن الأتراك شيء آخر مختلف بالكامل، ولم يسعنا البقاء مع قدومهم إلينا." ومن بين الواصلين الى المخيّم حديثا كان محمود علي، 70 عاما، وهو رب أسرة كردي لديه تسعة أبناء من رأس العين، حيث عاش كامل حياته هناك. 
وقف خارج خيمته، المجاورة لخيمة أخرى تأوي زوجته وبناته وحفيداته الفارات من نفس المدينة أيضا: "كان الأمر خيانة واضحة من الأميركان، فالأتراك لم يفعلوا أي شيء مطلقا إن بقيت القوات الأميركية في مناطقنا."
أما اللاجئة الكردية أريج هشين، 25 عاما، فقد بدت وكأنها تتأقلم مع الواقع المر، فلربما لن تعود أبدا الى ديارها الواقعة خارج مدينة المالكية شمالي شرق سوريا، فحسب قولها، ومع بدء الصراع والحرب داخل سوريا، اضطرت للفرار مع عائلتها الى العراق من قصف القوات السورية؛ والآن، فهم يعيدون الكرة من جديد، هاربين من القوات التركية وحلفائها: "ما دامت الحرب قائمة فلن أعود مطلقا. ربما هذه المرة سنذهب كلنا الى بلد آخر."