مشرعون يحمّلون المحاصصة «المقيتة» الجزء الأكبر لتدهور الأوضاع

العراق 2019/10/29
...

بغداد / عمر عبد اللطيف / مهند عبد الوهاب
 
حمّل أعضاء في مجلس النواب الجزء الأكبر من تدهور أوضاع البلاد إلى «المحاصصة المقيتة» وعدم وجود إرادة حقيقية لعلاج سوء الخدمات واستشراء الفساد والبطالة وهدر المال العام، ما أدى إلى تفاقم الأوضاع وتحولها الى تظاهرات واحتجاجات على الأداء الحكومي للمطالبة بالحقوق المشروعة للمواطنين، مؤكدين ان البرلمان يعمل من خلال تشريعاته على تنفيذ اكثر من 90 بالمئة من مطالب المتظاهرين المشروعة.  
وطالب مشرعون، في أحاديث لـ»الصباح»، السلطة التنفيذية بإجراء إصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة بكاملها، وإيقاف هيمنة الأحزاب على الدوائر الحكومية والدرجات الخاصة وإيجاد قانون انتخابات عادل. 
تمرير حزم الاصلاح
وقال رئيس كتلة الوطن النيابية هشام السهيل: ان من الاجراءات التي سيتعامل معها البرلمان ايقاف عمل مجالس المحافظات، الذي تم التصويت عليه، فضلا عن تمرير حزم اخرى من الاصلاح بعد التصويت عليها.
وقال السهيل، لـ»الصباح»: يُفترض اعادة النظر في بعض مواد الدستور على الرغم من أن التعديلات تتطلب اليات كثيرة اضافة الى الانتقال الى العمل الميداني السريع الذي يلبي  مطالب المتظاهرين.
واضاف السهيل ان عدداً من مطالب المتظاهرين المشروعة يمكن تطبيقها وهناك مطالب من الصعب تنفيذها لاننا نظام ديمقراطي يتطلب اجراءات كثيرة قد تأخذ بعض الوقت، مبيناً أن القضاء على الفساد وتوفير فرص العمل والارتقاء بمستوى الخدمات والقضاء على أزمة السكن يمكن تحقيقها في المستقبل المنظور لكن الصعوبة تكمن في تغيير الدستور والنظام السياسي. 
من جانبه اشار النائب عن تيار الحكمة النيابية محمود الملا طلال الى ان السلطة التشريعية استجابت لمطالب المتظاهرين وعلى الحكومة ان تنفذها عبر آليات صحيحة.
وشدد طلال، في حديث لـ»الصباح»، على ضرورة ضبط التحويل الخارجي للعملة الصعبة لايقاف النزف المستمر لها، فضلا عن تسهيل عمل الاستثمار في القطاع السكني الذي سيسهم في توفير اكثر من مليونين و800 الف فرصة عمل، مؤكداً أهمية بناء 150 الف وحدة سكنية في الأقل في كل محافظة عراقية لمعالجة ازمة السكن المتفاقمة.
 
تراكمات سابقة
بينما أشار عضو اللجنة القانونية رشيد العزاوي إلى نوعين من المطالب للمتظاهرين، أولهما مشروعة وممكنة التحقيق والثانية صعبة التنفيذ، مبينا أن 90 بالمئة من مطالب المتظاهرين تكمن في توفير حياة كريمة لهم وان السلطتين التنفيذية والتشريعية متفقتان عليهما.
واضاف العزاوي، في حديث لـ»الصباح»، ان بعض المطالب يمكن أن تذهب بالبلد إلى الفوضى كمطلب حل الحكومة والبرلمان، على حد رأيه.
واكد العزاوي ان مجلس النواب يناقش مطالب المتظاهرين المشروعة وسينهي الجزء الكبير من الموافقات عليها، مبيناً أن الاستجابة لهذه المطالب ستكون على شكل دفعات وحسب الاموال المتوفرة.
بدوره، ترى النائب ديلان غفور، أن المشكلات التي يعاني منها العراق جاءت نتيجة تراكمات سابقة مما أدى الى انفجارها على شكل تظاهرات في الوقت الحالي، مستبعدة، إقالة الحكومة الحالية أو إجراء انتخابات مبكرة، لأن مجيء أي حكومة جديدة سيتم على أساس المحاصصة وتوزيع المناصب بين الأحزاب.
ونبهت النائب غفور، في حديث لـ«الصباح»، على أن الحلول تكمن في تقليل الروتين بالدوائر الحكومية وتشريع القوانين المهمة التي يمكن أن تخدم المواطنين وتكريس جدول أعمال مجلس النواب لذلك، والضرب بيد من حديد على الفساد والمفسدين، وإجراء دراسة واضحة لارتفاع نسب البطالة في المجتمع ووضع الخطط للتخفيف منها من خلال تقليل السن التقاعدية، أو الاهتمام بالقطاع الخاص وتوفير فرص العمل للمواطنين.
وأضافت غفور أن»المجلس سيعمل خلال المرحلة الحالية على استجواب الوزراء المقصرين خلال عام من سني عملهم في الوزارات، مؤكدة أن هذا الإجراء وغيره يحتاج الى وقت ولا يمكن تنفيذه خلال يوم أو يومين، ولا يمكن لأي حكومة تحقيق الاصلاحات بلمح البصر.
 
إصلاحات جذرية
بدوره، أرجع عضو مجلس النواب صادق السليطي أسباب خروج المواطنين في تظاهرات الى السياسات الخاطئة والفشل المتراكم الذي أسسته المحاصصة وجني المغانم والمكاسب، مما أدى الى وصول أبناء الشعب الى حالة الاحتقان.
وأضاف السليطي، لـ»الصباح»، أن الحل يكمن في إجراء اصلاحات جذرية تمس عمل المؤسسات برمتها، والتأسيس لقوانين انتخابية عادلة ومنصفة تأتي بأشخاص مستقلين كفوئين الى سدة الحكم في السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإصدار تشريعات بعيداً عن البيروقراطية لتسهيل جميع الأعمال، كما أن هناك حاجة الى اصلاحات حقيقية وأناس يتمتعون بالوطنية والكفاءة والنزاهة لإدارة البلاد وتنفيذ تلك الإصلاحات، لافتاً إلى أن الاساس للخروج من هذه المعضلة هو العمل على تقليل هيمنة الاحزاب على الدوائر الحكومية والدرجات الخاصة.
 
محاصصة مقيتة
أما عضو المجلس نهلة الراوي، فأكدت أن أهم أسباب خروج هذه التظاهرات هي الأوضاع الصعبة التي يعاني منها المواطنون من شظف العيش وسوء الاوضاع الاقتصادية، فضلا عن عدم توفير فرص عمل سواء في القطاعين الحكومي أو الخاص للخريجين، رغم الدراسات التي وضعتها الحكومة بارتفاع نسب البطالة والحلول الممكنة لخفضها.
وأكدت الراوي، في حديث لـ»الصباح»، أن كلا من الحكومة والبرلمان سيعملان خلال المرحلة المقبلة على تشريع قوانين مهمة، والبحث بإمكانية توفير فرص عمل للعاطلين للاستفادة من جهودهم في بناء البلد.
بينما أجملت عضو مجلس النواب سناء الموسوي، أسباب المشكلات التي يعاني منها البلد بـ»المحاصصة الحزبية المقيتة والتي باتت تصل لأبسط الأمور»، مؤكدةً أن المحاصصة وصلت الى تقاسم اللجان التي يمكن من خلالها تحقيق استفادة مادية بين الاحزاب الكبيرة.
وأوضحت الموسوي، لـ»الصباح»، أن التدخلات الدولية كانت سبباً في وصول البلد الى ماهو عليه الآن بعد أن رفض الشعب تلك التدخلات التي وجهته نحو الهاوية، مشددة على ضرورة التزام الهدوء والعقلانية من جميع أبناء الشعب، لوجود جهات تحاول استغلال هذه الاوضاع للوصول بها الى الانهيار الكامل للعملية السياسية ومن ثم الفوضى واللا دولة.
 
النظام البرلماني
من جهته، أشار النائب عن كتلة الحزب الديمقراطي الكردستاني ديار برواري، إلى أن «مفهوم النظام البرلماني والدولة الاتحادية مفهوم جديد للمجتمع والساسة العراقيين، بينما في كل دول العالم التي طبقت النظام البرلماني من خلال صوت الشعب كانت ناجحة في توزيع الثروات وبناء الدولة الاتحادية وتوزيع صلاحياتها بين أقطابها عدا العراق الذي واجه مشكلة في تطبيقها بشكل عملي.
وقال برواري، لـ»الصباح»: إن سوء الخدمات وإهمال شريحة الشباب والاعتماد على التعيينات في القطاع الحكومي؛ كانت لها آثار كبيرة في الضغط على مؤسسات الدولة وهدر المال العام وانتشار الفساد المالي والإداري، وكلها أدوات مجتمعة لم يتم علاجها بشكل مناسب، إضافة الى أن القوى السياسية لم تمتلك إرادة حقيقية لإصلاح الوضع العام، وهذه كلها تراكمات أدت الى تفاقم الوضع، مبينا أن على رئيس الحكومة عادل عبد المهدي البدء -وبشكل عملي- بالكشف عن الفساد وتوجيه الموازنة لخدمة اقتصاد البلاد بنوعيه الاقتصادي التشغيلي والاستثماري. 
وأكد برواري، أن أغلب الحزم الاصلاحية التي أطلقتها الحكومة تحتاج الى أموال كبيرة لن تستطيع الموازنة تغطيتها، إضافة الى أن مجلس النواب في هذه الدورة كان متناغما مع الحكومة لكن الحكومة لم تستوعب تناغم وانسجام البرلمان معها، مما أدى الى ضعف في الأداء الرقابي وانعكس سلبا على البرلمان والحكومة.
 
خلط الأوراق
بينما لفت النائب عن تحالف البناء أحمد الكناني، إلى أن وصول الأوضاع في البلاد الى هذه المرحلة فيه العديد يعود إلى هيمنة المحاصصة واستشراء الفساد، ما ولد شعورا لدى المواطن بالغبن إضافة الى تسلط الكتل السياسية على مصدر القرار.
وأضاف الكناني، في حديث لـ»الصباح»، أن «المواطن وبعد الانتصار على (داعش) خرج من مآس حقيقية، وذاك الانتصار لم يرق لأعداء العراق، وهناك من يحاول خلط الأوراق، ولكن تبقى التظاهرات حقا مشروعا.
وأضاف الكناني أن المحاصصة أنتجت الوليد المشوه (الفساد)، وبالتالي نحتاج الى أن ترتقي الكتل السياسية عن المصالح الشخصية وتنظر الى مصلحة العراق والمواطن، مبيناً أن من الحلول المهمة هو قيام الحكومة بحزمة اصلاحات ومنها محاربة الفساد وإعادة ثقة المواطن بالعملية السياسية من خلال تعديل قانون الانتخابات والتعديلات الدستورية، وهي من الامور التي تخفف من غضب الشارع العراقي.
تصعيد الموقف
من جانبه، بين (النائب المستقيل) رائد فهمي أن حزم الاصلاحات التي أطلقتها الحكومة كانت مطروحة قبل تاريخ 1/ 10، ولكن التأخير والتلكؤ في العمل بها أدى الى الاحتجاجات وأجج ذلك طريقة التعامل مع المتظاهرين، إضافة الى التغيير الوزاري البسيط، كلها قضايا أدت الى تصاعد وتيرة الاحتجاجات.
وأضاف فهمي، لـ»الصباح»، أن مطالب الجماهير انتقلت من المطالب الاجتماعية الى المطالب السياسية، ونحتاج الى إجراءات كبيرة لفك الاحتقان وفتح الباب لبحث تشكيل حكومة مستقلة وبمواصفات بعيدة عن المحاصصة، ووطنية تحظى بثقة المواطنين لتقدم على التغيير وتهيئ لانتخابات حقيقية لأن المشهد الاجتماعي والسياسي تغير عن السابق، لافتاً إلى أن هذه التظاهرات هي تصفير لشكل المنظومة السياسية التنفيذية التي لم تعد تتناسب مع رأي الشارع ومن الطبيعي أن نجد حالة سياسية تمهد لانتخابات مبكرة للتوافق مع رأي الشارع لإحداث اصلاحات عميقة من الممكن أن ترتقي بالاقتصاد العراقي.
ولفت فهمي، إلى أن كتلة سائرون تحولت الى كتلة معارضة داخل مجلس النواب وستتخذ العديد من الاجراءات وكخطوة اولى لتأكيد المعارضة هي المطالبة باستقالة الحكومة وسيتم توجيه طلب الى رئيس الجمهورية لاستخدام المادة (61 ب) من الدستور التي تسمح بسحب الثقة من رئاسة الوزراء في حال عدم استقالته، مضيفاً أن من الاجراءات المهمة التي ستتخذها الكتلة هي تحريك ملف محاسبة كبار الفاسدين ومراجعة المنظومة الانتخابية بشكل جدي وعملي والعمل عليها بشكل حازم وإجراء تعديلات على الدستور.