مهندسٌ عراقيٌّ في المراحل النهائيَّة لبرنامج «نجوم العلوم»

علوم وتكنلوجيا 2019/11/02
...

حاوره: وسام عبد الواحد
 
لطالما قيل إنَّ "الشباب هم الثروة الحقيقيَّة للأمة". وقد أثبت برنامج "نجوم العلوم" الذي تم إطلاقه في جميع أنحاء العالم العربي منذ العام 2009 تلك المقولة، إذ حقق نجاحًا كبيرًا وتمكّنت المهارات الفريدة التي يتمتع بها خريجو هذا البرنامج من الارتقاء بحدود التكنولوجيا وتنمية القطاعات الداعمة للتحوّل الذي يشهده نظامنا العالمي.
أحد هذه المواهب الشابة المهندس العراقي حسام سمير صاحب الـ (35عاماً)، يحمل شهادة البكالوريوس في الهندسة المدنية من الجامعة المستنصرية، وماجستير العلوم في إدارة أعمال البناء من جامعة بغداد، ومنذ سنوات عديدة بدأ حسام بالتفكير في طرق لإنقاذ البيئة. وهو يعمل حاليًا على مشروع الدكتوراه في جامعة كاسل في ألمانيا، والذي يركز فيه على المباني الصديقة للبيئة ويُركز خصوصًا على ضمان الاستدامة في قطاع البناء والتشييد.
استطاع حسام أنْ يضمن له مكانًا في المرحلة التالية من مشواره في برنامج "نجوم العلوم"، إذ اجتاز ابتكاره "الخرسانة المكيفة للحرارة" التي اخترعها الاختبارات ذات الصلة، ونجحت في الحفاظ على درجة حرارة باردة في غرفة ذات حجم طبيعي لمدة ساعة ونصف، وتمكّنت هذه الألواح الخرسانيَّة من الحفاظ على درجات حرارة منخفضة مستفيدة من البنية المجوفة الفريدة من نوعها، والتي تتيح تعزيز عملية التبريد من خلال دوران الهواء بداخلها بشكل أكثر كفاءة.
"الصباح" التقت المهندس حسام سمير للحديث عن مشواره في برنامج "نجوم العلوم" والعقبات التي واجهته للوصول الى المراحل النهائيَّة من المسابقة خصوصاً أنه أول عراقي يصل الى هذ المرحلة، فضلاً عن أهمية ابتكاره تكنولوجياً:
 
* حدثنا بدايةً عن رحلتك في برنامج "نجوم العلوم" في نسخته الحادية عشرة؟
- بداية بسم الله الرحمن الرحيم.. أنا متابعٌ لبرنامج "نجوم العلوم" على مرِّ مواسمه خصوصاً أنَّه البرنامج الأكبر والأكثر انتشاراً على مستوى الوطن العربي الذي تكون المنافسة فيه على مستوى البحث والتطوير العلمي لرفد المجتمع العربي وكذلك العالمي بالإنجاز العلمي.
أما بخصوص مشاركتي في الموسم الحادي عشر، فلم تكن الطريق سهلة أبداً، بل كانت مليئة بالتحديات، وكلي فخر بتجاوز كل العقبات ووصولي الى المراحل النهائيَّة من المسابقة خصوصاً أنْ أكون أول عراقي يصل الى هذ المرحلة من المسابقة. فقد بدأت الرحلة بتقديم مقترح للابتكار وهو عبارة عن خرسانة مكونة لجدران الأبنية يمر عبرها الهواء البارد أو الحار لتكيف الأجواء الداخيَّة للأبنية باستهلاك أقل للطاقة الكهربائيَّة وبالاعتماد على مصدر طاقة متجدد وهو الطاقة الحرارية الأرضيَّة. الفكرة نالت الإعجاب من قبل المقيمين في المرحلة الأوليَّة من المنافسة وتمت دعوتي الى بيروت من بين آلاف المتقدمين للبرنامج للتحدث أكثر عن المشروع من ناحية أهميته وقابلية تطبيقه.
وتأهلت الى المجلس العلمي لأكون على بعد خطوة واحدة لإكمال المشروع في مختبرات نجوم العلوم في الدوحة. كان يوماً طويلاً الى أنْ تمت مفاجأتي بتذكرة السفر الى الدوحة.
من حينها فقد تم توفير فريق عملٍ متكاملٍ لتوفير كل ما يتطلبه المشروع من الناحية الفنيَّة واللوجستيَّة، والحمد لله تجاوزت مرحلة إثبات الفكرة بنجاح وبحصولي على أعلى تقييم من قبل لجنة الحكم. أما في مرحلة الهندسة فقد واجهتني بعض المشكلات ولكنْ مع ذلك استطعنا والحمد لله تحقيق نتائج جيدة. في مرحلة التصميم فقد تم بناء غرفة لإجراء التجربة في الأجواء الخارجيَّة ومماثلة للواقع وكانت النتائج جيدة جداً.
 
* ماذا تعني "الخرسانة المكيفة للحرارة".. وما هي أهمية ابتكارك تكنولوجياً؟
- عادة ما يتم توفير التدفئة أو التبريد من خلال الأساليب التقليديَّة والذي يستهلك كميات كبيرة من الطاقة وفي الوقت ذاته لا يكون توزيع الهواء البارد أو الحار بشكل منتظم.
"الخرسانة المكيفة للهواء" هي عبارة عن وحدات بناء للجدران (بلوك) يحوي بداخله فتحة يمرُّ من خلالها الهواء البارد (في حالة التبريد) من دون أنْ يكون بتماس مع الهواء الداخلي للأبنية وبذلك يتم تبريد الجدران ومن ثم تبريد الفضاء الداخلي للأبنية.
بهذه الطريقة تتم الاستفادة من خاصيَّة الخرسانة بالاحتفاظ بدرجة حرارتها المنخفضة لوقت طويل نسبياً، حتى بعد إطفاء مصدر الطاقة.
علاوة على ذلك من خلال الخرسانة المكيفة يتم توفير التدفئة أو التبريد بشكل تدريجي ومنتظم وهذا له الأثر الكبير في راحة وصحة المستخدم.
* مجرد طرح فكرتك أمام العالم يعدُّ خطوة جريئة بحقّ، إلا أنَّ مواجهة جميع التحديات والعقبات التي تقف في طريقك تتطلب مزيدًا من الشجاعة والصبر.. هل أنت مستعدٌ لذلك؟
- بالتأكيد طرح فكرة جديدة تتطلب الشجاعة والثقة بالنفس والاستعداد لكل ردود الأفعال والصعوبات. مواجهات المراحل السابقة أعطتني ثقة كبيرة واستعداداً تاماً للمرحلة المقبلة.
 
* بعد أنْ ضمنت لك مكاناً في المرحلة التالية من برنامج "نجوم العلوم" كيف ترى حظوظك في المنافسة على اللقب؟
- مشروعي يحاكي أموراً مهمة جداً في المجتمع من ناحية تقليل استهلاك الطاقة للتبريد في الأبنية وعلاقة ذلك بخفض الاعتماد على مصادر الطاقة غير المتجددة وهذا له الأثر الكبير في مشاركة التحديات العالميَّة لتقليل التأثير البيئي وتحقيق أهداف الاستدامة العالميَّة.
 
* على الرغم من هيمنة الاختراعات الطبيَّة على البرنامج، وخصوصاً "اللاصق المفعّل لجفن العين المغموشة" للمتسابقة الأردنيَّة الدكتورة نهى.. كيف تقيِّم فرصتك أمام هذا التحدي الكبير؟
- باعتقادي هنالك حاجة كبيرة للاعتماد على تصاميم للأبنية التي من شأنها أنْ تُسهمَ في تقليل صرف الطاقة وخصوصاً "للتبريد إذا ما أخذنا العراق مثالاً على ذلك, فإنَّ الأبنية تستهلك كميات طاقة كبيرة جداً للتبريد وانَّ اختراع الخرسانة المكيفة للحرارة قد يُسهم بشكل كبير جداً" بتقليل الطاقة. بالتالي فإنَّي أرى مشروعي هو من أهم المشاريع المنافسة وأرى فرصتي كبيرة في أنْ أكون في النهائي.
 
* ما تقييمك للضغوطات والتحديات التي واجهتها.. خصوصاً أننا عرفنا أنَّ لديك الكثير من الالتزامات الأسريَّة، فضلاً عن صعوبة مجال العلم والاختراع؟
- واجهت تحديات كبيرة حقيقة، فأنا أبٌ لطفلين ولما في ذلك التزامات وفي الوقت عينه أعمل في المجال العلمي، إذ لا يكون به محددات لوقت العمل. ولكنْ مع ذلك فأنا أحب مجال عملي وأواجه التحديات بالصبر وعدم اليأس واعتبر أنَّ قيمة الأهداف تكون على قدر التحديات والصعوبات لتحقيق تلك الأهداف.
 
* شهدت المواسم الثلاثة الأخيرة مشاركة جراحي دماغ، وباحثين في الخلايا الجذعية، وخبراء في تكنولوجيا النانو، هل تعتقد أنَّ ابتكارك يرقى إلى هذه المنافسة وهل حقاً سيساعد في خدمة الإنسانية جمعاء وإنقاذ الكوكب؟
- ثقتي بمشروعي عالية جداً لمساهمة المشروع في موضوعات مهمة جداً وهي تقليل صرف الطاقة, المساهمة في تحقيق الاستدامة وتقليل الأثر البيئي للأبنية.
 
* وصلنا الى الموسم 11 من برنامج "نجوم العلوم"، ما الذي حققه فعلياً هذا البرنامج وهل تعدُّ أنه أدى رسالته أو جزءاً منها؟
- برنامج نجوم العلوم برنامجٌ متميزٌ وفريدٌ من نوعه على مستوى الوطن العربي، فهو البرنامج الوحيد الذي يعطي الفرصة للطاقات العلميَّة ويمنحها الدعم لتطوير الفكرة الى منتج حقيقي.
من خلال تجربتي في ألمانيا خلال دراسة الدكتوراه فإنَّ كل الشركات العالميَّة تعتمدُ على البحث العلمي لتطوير منتجاتها ويصرف الملايين لإنجاز البحث الذي بالنهاية نشاهده ونستخدمه كمنتج نهائي ومثال على ذلك الشركات الألمانية للسيارات.. الخ.
فريق برنامج "نجوم العلوم" يتبعُ المبدأ ذاته من خلال تنقية الأفكار العلمية وتوفير كل ما تحتاجه لتكون منتجاً أو تصميماً يضاهي ما تتوصل إليه الشركات العالميَّة.
 
* هل هناك تسخيرٌ من قبل وسائل الإعلام العراقيَّة للتأثير في ثقافة الابتكار وريادة الأعمال عند الشباب العراقي؟
- على مستوى العراق فإنَّ الظروف التي يمرُّ بها البلد أثرت سلباً في وسائل الإعلام العراقية وجعلتها مليئة بالأحداث السياسيَّة.
الشاب العراقي طموحٌ ومثابرٌ في أصعب الظروف ولكنَّه يحتاج الى دعم أكبر، خصوصاً على مستوى المشاريع الرياديَّة. فإنَّ هذه المشاريع تحتاج في بداية الأمر الى العديد من التجارب والأبحاث التي من شأنها أنْ تكون مكلفة ولكنْ سرعان ما تكون المشاريع الناجحة منها لها الأثر الكبير في المجتمع العراقي من الناحية الاقتصاديَّة.
 
* تعدَّ مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع، الراعية للبرنامج، رائدة في استخراج إمكانيات الشباب العربي، هل تستفيد المؤسسة مما تقدمونه من خلال عقود احتكار او تشغيل مستقبليَّة؟
- تم تصميم برنامج نجوم العلوم لتمكين المخترعين والمبتكرين العرب، ويستفيد المرشحون طوال فترة البرنامج من النظام البيئي متعدد الأوجه الخاص بالبحوث والتطوير والتابع لمؤسسة قطر، بما في ذلك إمكانية الحصول على المشورة وآراء الخبراء المختصين. ومع ذلك، فإنَّ العقود بين المتسابقين والبرنامج سارية المفعول فقط خلال الموسم.
 
* هل حصلت على توصية ودعم أعضاء لجنة التحكيم لمخططاتك خلال رحلتك؟
- بالتأكيد توصيات مستمرة من قبل لجنة التحكيم منذ بداية العمل في مختبرات نجوم العلوم في الدوحة. ففي كل مرحلة يتم تحديد الواجبات التي يجب إنجازها وفي بعض الأحيان تتم مناقشة هذه الواجبات للوصول الى تحقيق الأهداف في كل مرحلة.
 
* حدثنا عن خططك المستقبليَّة؟
- أنا حالياً في مرحلة متقدمة من إكمال دراسة الدكتوراه في الهندسة المدنيَّة والأبنية المستدامة في جامعة كاسل في ألمانيا. أول أهدافي هو إكمال دراسة الدكتوراه وبتفوق. فقد نشرت بحثين والحمد لله في مجلات عالميَّة.
على صعيد ابتكاري في برنامج "نجوم العلوم" فأنا بصدد عرض المشروع على مستثمرين في القطاع الإنشائي وأتمنى أنْ تكون الانطلاقة من العراق وذلك لما يمكن أنْ يسهم فيه المشروع من ناحية تقليل العبء على شبكة الكهرباء الوطنيَّة وأنْ يسهم بتوفير التبريد بشكل صحي ومستدام ومن الله التوفيق.