محمد شريف أبو ميسم
في معرض حديثة خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة قبل الماضية، عن مفهوم العمل في الاسلام بوصفه قيمة عبادية عليا، وعن طبيعة الأداء الوظيفي بوصفه أحد الأسباب التي أدت الى تراجع البلاد عن موقعها الطبيعي، اعرب ممثل المرجعية الشيخ عبد المهدي الكربلائي، عن اسفه لما آل اليه الوضع في البلاد، والذي ترك اثرا سيئا في موقعه وسط المجتمعات الاخرى، قائلا "مما يؤسف له ان مجتمعنا في العراق فردا وكيانا قد غابت عنه الكثير من المبادئ والقيم الاساسية للنجاح الوظيفي والعملي، والذي ادى الى هذا التراجع الكبير في مستوى الخدمات العامة بكل عناوينها..".
وكما عهدنا الدقة والتصويب في خطاب ممثلي المرجعية الذي يتسم بلغة بسيطة ومباشرة تصل لعموم العراقيين على مختلف مستوياتهم التعلمية، اتسمت خطبة الجمعة الماضية بالصراحة والمكاشفة، حين أشارت الى دور "النظام السياسي وأفراده" في التأسيس لبيئة عمل صالحة وتحسين الاداء والنشاط الوظيفي نوعا وكما، فـ"كلما كان النظام السياسي وافراده يتميزون باحترامهم للاداء الوظيفي المكلفين به ويحرصون على سن التشريعات والقوانين والتعليمات التي تحفظ للعمل والاداء الوظيفي دوره المهم في المجتمع كلما انعكس ذلك على تحسين هذا الاداء والنشاط الوظيفي نوعا وكما".
وهذا هو الثابت في معادلة طرفاها السلطة والادارة من جانب، والأفراد بغض النظر عن معتقداتهم من جانب آخر، اذ ان وظيفة السلطة هي التنظيم وتحديد الواجبات والحقوق وتشكيل العلاقات بين الأفراد والمؤسسات والوحدات المجتمعية في اطار كلي تسوده العدالة والنزاهة والشفافية، حينها ستكون الرؤية لمفهوم الاخلاص في العمل من منطلق جمعي، يكون فيه الفرد جزءا من ثقافة مجتمعية ترفض المقصرين في اداء واجباتهم، فضلا عن طائلة القانون والتعليمات الادارية التي تتماهى مع الثقافة المجتمعية.
فالفرد يحتكم للعقائد في نطاق الذات التي تجاهد الرغبات والغرائز، في ظل منظومة دولة القانون التي تسهل له تحقيق ما يريد في اطار ينسجم مع المصلحة الكلية، وبما لا يتقاطع مع مصلحة الأفراد في بيئة معافاة من أمراض الفساد وسوء الادارة. فهو حين ينظر للعمل من منطلق اشباع الحاجات أو من منطلق تحقيق الذات أو من منطلق التمجيد والتقديس بما يقدمه من خدمة لنفسه وللمجتمع، أو من منطلق ديني "بوصف العمل قيمة عبادية عليا"، فانه ينفع الآخرين ويضيف حصانة لذاته ويمنح المشهد الكلي انموذجا يحتذى به.
فيما قد يكدّ في سبيل تحصيل قوته وقوت عياله في مجتمع تتفاوت فيه الفرص، ولا يكون قادرا على سد الرمق، جراء الخلل القائم في المنظومة الكلية، أو قد يدفع أثمان أخطاء يرتكبها غيره جراء انفصام عروة التشكيل الاجتماعي القائم على العدالة، أو قد يقع تحت سطوة أصحاب النفوذ فيحيد عن أداء الواجب خوفا أو طمعا، حينها تفقد القيم الاساسية للنجاح الوظيفي والعملي فردا كان يمكن أن يكون ايجابيا ازاء وطنه وشعبه، فردا سرعان ما يكون مسؤولا عن ذاته في اطار الممكن من المبادئ والمعتقدات التي يؤمن بها. وهو بهذا لم يتخل عن عقيدته أو مبادئه بعد أن تخلت القيم الأساسية للنجاح الوظيفي
عنه.
ومن هذا المنطلق سيختل الثابت في طرفي معادلة (السلطة والأفراد) لتخلّي الأفراد عن مسؤولياتهم، في حدود الممكن من المعتقدات والأخلاقيات والطاقات العقلية والجسمانية في اطار تحكمه السلطات الموازية لسلطة الدولة التي تعاني من غياب القيم الأساسية للنجاح الوظيفي والعملي.