هل اتاك حديث فيروز؟

آراء 2018/11/17
...

حسين الصدر
- 1 - 
ينتابني الإحساس بالقوة والعزة حين اقرأ في كتب التاريخ قصصَ اصحاب البطولات والمروءات من ذوي المواقف المحمودة،  فيدفعني ذلك الى جعلها محطةً اقف عندها قليلا.
 
- 2 -
 قد ينصرف الذهن الى غير المقصود  فنسارعُ للقول :
ان (فيروز) هو أحدُ مَنْ قَتَلَهُ (الحجّاج) صَبْراً ..
 و كانت له مع الحجاج بن يوسف الثقفي قضية مهمة لانها قصة مثيرةٌ للغاية ، ونابضة  بالمروءة و الاحساس العالي بالمسؤولية ازاء المظلومين جميعا ...
وبامكان القارئ العزيز أنْ يرجع الى التفاصيل ليجدها في تاريخ الطبري 
ج6/ص378-384
لقد جيء بـ ( فيروز) الى الحجّاج - وكان قد اشترك في احدى المعارك ضده - و الثورة على  الحجاج انما هي ثورة على الظلم الفظيع في ابرز صوره،  ومبرراتُ الوقوف بوجه الحجّاج  كثيرة لا يجهلها العارفون بالموازين الشرعية و السياسية و فصول التاريخ المليء بالظلم و الجرائم التي اقترفها ، ناهيك عن انها صدى لبطولات الابرار و الاحرار .
 ان محاربة الحجاج المستندة الى استبداده وعسفه وتنمره  وخروجه  الصريح عن الحق، دليلُ الوعي السياسي، والحس  الانساني العميق، كما هو مؤشر من مؤشرات التضحية بالنفس من أجْلِ ازاحة الكوابيس عن صدر الامة ...
 وحين خرج (فيروز) على الحجّاج، و حاربه، سجّل نفسه في سجل الرجال الذين لم ترهبهم سطوة الجبابرة وقسوتهم وغلظتهم  المتناهية،  
وقد رفضوا الركوع و الاذعان لرمز الارهاب  والاجرام، وآثروا أنْ يموتوا أعزاءَ بدلَ العيشِ الذليل في ظل الطواغيت ...
قال الحجاج لفيروز :
ما اخرجك مع هؤلاء  فو الله ما لحمُكَ من لحومهم، ولا دمُكَ من دمائهم،   فقال :
فتنةٌ عمّت الناس، فكنّا فيها ، فقال:
 اكتب لي اموالك قال:
 ثم ماذا ؟
قال:
 اكتبها اولا 
قال ثم أنا آمن على دمي ؟
قال :
اكتبها ثم  أنظر!
 قال:
 اكتب يا غلام:
 الف الف ،
الفا الف ،
فذكر مالاً كثيرا ،
 فقال الحجاج :
أين هذه  الأموال ؟
 و الحجاج كما هو معلوم، من عبيد الدنيا، وعبيد المال ، وجلّ ما يصبو اليه  أنْ يبعث بالاموال الضخمة الى سيّدِهِ الذي سلّطه على الرقاب ليقوي بها مركزه .
قال : عندي
 قال : أدّها 
قال : وانا آمن على دمي ؟
 قال :
و الله لتؤدينّها  ثم  لأقتلنّك 
قال :
لا تجمع مالي  ودمي ..!!
من الواضح هنا ان فيروز كان يشاغل الحجاج بالكلمات .
ولم يكن يريد انّ يمكنّه منها ..!!
ثم انّ الحجاج  أمرّ بتعذيب (فيروز)  .
و من صور العذاب : انه كان يشدّ على بدنه القصب  المشقوق ثم يجر عليه حتى يخرق جسده ثم ينضح عليه الخل و الملح ...
وما أفظع هذا التعذيب وهذه القسوة....
فلما احسَّ فيروز بالموت قال لمعذّبِهِ:
ان الناس لا يشكون أني قُتلت، ولي ودائع واموال  عند الناس فأظهروني
  ليعلموا أنّي حيٌّ فيؤدوا المال "
 وهكذا اغراهم بايصاله الى مَنْ كانت ذممهم مشغولة له بالدين .
وحين أُعلم الحجاج بطلبه قال:
 أظهروه، فأخرج الى  باب المدينة  فقال للناس :
انا فيروز حصين،
إن لي عند اقوام مالاً ،  فمن كان لي عنده شيء فهو له ، و هو في حِلٍّ منه،  فلا  يؤدين منه درهماً واحداً ، ليبلغ الشاهد الغائب 
و حينها أمر  الحجاج بقتله، فاستشهد ملتحقا قوافل الشهداء الابرار.
 المهم هنا :
انه جاهد - وهو اسير بيد الظالمين-  ليحول دون وصول المال الى ايدي السفاحين ....
وكلّفه ذلك ( دورة) من العناء الشديد، و لكنه بتحمله  لذلك العناء اضاف الى مناقبةٍ منقبةً جديدةً له فهو  محارب بسيفه،
 و هو محارب بحجبه المال عن الوصول الى ايدي الظالمين ... وهو محارب بلسانه الذي عرّى به  السفاحين ..
و هكذا يكون الرجال .
و لو لا هؤلاء الرجال لما نُحّي الطغاة  الانذال عن مواقع التحكم برقاب الناس ...
وقدّر الاستاذ عبود الشالجي ضحايا الحجاج بما يزيد عن (الالف الف شخص) اي ما يزيد على المليون  
موسوعة العذاب / ج4/262
و جاء في المصدر السابق نقلا عن العقد الفريد لابن عبد ربه الاندلسي ان الحجاج كان يقول:
 اني و الله لا اعلم على وجه الارض خلقا هو أجرأ على دمٍ مِنّي