عربات السنغال تواجه الزوال

بانوراما 2019/11/03
...

انيمونا هارتوكوليس
ترجمة: بهاء سلمان
 بعد جولة في السوق لشراء بعض الحاجيات والطعام، احتاجت السنغالية "بينتا با" الى وسيلة توصلها الى منزلها.
ثم بحثت عن واسطة النقل المفضلة لديها: حصان وعربة. كان من السهل ايجاد هذه العربة، فعشرات العربات التي تجرّها الأحصنة تصطف بجوار السوق الكائن بمنطقة روفيسك، إحدى ضواحي داكار الرائعة المناظر، والمعروفة ببنيتها التحتية العائدة لزمن الاستعمار. 
ويدفع الراكب الواحد نحو نصف دولار لمسيرة عشر دقائق، وهو يمثل جزءا من تكلفة تأجير سيارة أجرة. تقول با: "ركوب سيارة أجرة للأغنياء فقط، ونحن نريد دعم سواق العربات لأنهم من مجتمعنا البسيط."
نظرة هذه المرأة للأمر مألوفة تماما في داكار؛ عاصمة السنغال، غير أن عربات المدينة التي تجرّها الأحصنة، وهي الوسيلة الرئيسة للتجوال منذ فترة طويلة، تخضع لتهديد من عربات الريكاشة المجهّزة بمحرّك. 
وينظر بعض مسؤولي المدينة الى عربات الأحصنة كبقايا لبلد أشد فقرا، غير متوافق مع الطرق السريعة الحديثة ضمن عاصمة تزدهر اقتصاديا، فالعربات بطيئة للغاية وتغّلق السير وتتسبب بالحوادث، كما تلوّث الأحصنة الشوارع 
ببرازها.
وتلقت خطوة الانتقال باتجاه الريكاشة الكهربائية دفعة كبيرة بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها رئيس البلاد "ماكي سال" الى الهند، إذ لاحظ استخدامها بشكل هائل، مبديا إعجابه بما رأى، ليطلب 250 واحدة منها كهدية، تم منحها إياه، لتجربة النقل بالطاقة النظيفة داخل داكار؛ التي تتجول فيها عربات الأحصنة بمعية سيارات الأجرة والسيارات الحديثة
الأخرى. 
ويقول المؤيدون للريكاشة انها تمثل تكييفا نافعا للشوارع التي غالبا ما تطمرها الرمال عندما تهب من ساحل البحر القريب، أو للطرق الضيّقة للغاية التي لا تتمكن الشاحنات من 
دخولها.
 
أغراض متعددة
وتؤدي العربات عمل الشاحنات الصغيرة (البيكاب)، ناقلة السمنت الى مواقع البناء والرز الى مخازن البقالة، ورافعة النفايات المنزلية في مناطق لا يمكن لكابسات النفايات الوصول اليها. 
وغالبا ما تحمل العربات الناقلة للركاب النساء من السوق الى منازلهن، فتسير داخل أحياء سكنية تعج بأطفال يلعبون وسط الشارع بحرية، يعلمون أن السيارات ستعلق في الرمال إذا ما حاولت المرور منها.
وتم حظر دخول العربات الى وسط المدينة منذ فترة طويلة، حيث تنتصب علامات إرشادية تصوّر عربات الأحصنة وعليها خط يمنع دخولها.
وبين الحين والآخر، يجري الحديث عن حظرها من طرق أخرى؛ لكن في ضاحية روفيسك، يدافع عنها الكثيرون كجزء من الهوية الثقافية للسنغال.
يقول سيدي مبايا، عمدة روفيسك التي تضم مئات العربات، ولا يخطط لحظرها: "يعد الحصان حيوانا مقدسا في مدننا، وهذا يفسر سبب كون شعار رئيس الجمهورية حصانا، ومن الناحية الثقافية، الناس تحب الأحصنة."
في نغور، الحي السكني الراقي المقابل للساحل داخل داكار، يوجد نظام غير رسمي تعمل بموجبه العربات لنقل النفايات من المنازل وإيصالها الى مكب نفايات مجاور. 
ويدفع سكان المنازل مبالغ زهيدة شهريا لهذه الخدمة، ويتجنبون بذلك إيصال النفايات الى المكب بأنفسهم. لكن مثلما يجري في داكار بشكل أوسع، تفكر ادارة حي نغور بوسيلة لتقليص الاعتماد على عربات الأحصنة، فهناك خطة، لم ترصد لها أموال بعد، لاستبدال العربات بأسطول دراجات صغيرة تابعة للبلدية، من التي تجر خلفها حاويات النفايات، وستوفر هذه الطريقة أيضا فرص عمل 
للشباب.
التعلّق بالريف
التعايش غير السهل بين عربات الأحصنة والتطوّر يشير الى الكثير من إزدواجية السنغال تجاه ماضيها الريفي ومستقبلها الحضري. ولأجيال عديدة، قدم سواق عربات الأحصنة من أثنية "سيرير"، التي ما زالت تحتفظ بعلاقات متينة مع حياة الزراعة. 
إنهم أناس من أمثال "واغو ضيوف"؛ الذي يقود عربة نفايات في نغور، وتقيم زوجته وأولاده الخمسة ضمن قريته الأم مبيلاكادياو، بمنطقة فاتيك، ويعود الى هناك لرؤيتهم مرة شهريا، ولزراعة الدخن وفستق الحقل والذرة أثناء موسم الزراعة. ونشأ ضيوف مع الأحصنة وتحلو له امكانية الاستمتاع بمذاق حياة الريف في
المدينة. 
وفي إشارة الى مدى اعتزازه بحصانه، يطلق على حصانه تسمية تويوتا، كما زيّنه بسرج رتبه بحيث يظهر وكأنه شعار تويوتا. ووقف يتأمل: "ما عساه يكون مستقبل هذه الأحصنة؟خلال وقت قصير، ستكون مهملة ومهجورة، وينبغي علينا تقبل هذا الأمر 
ومواجهته." ويحاول تنظيم قائمة تضم 500 سائق من التجمعات السكنية عبر المنطقة لشراء ريكاشة من الصين أو الهند لاستبدال عربات الأحصنة.
التغيير جار حاليا في ديامنياديو، مدينة المعارض القريبة من المطار الدولي، التي تشهد تنمية هائلة مخطط لها، والمرتبطة بداكار بواسطة طريق سريع أنيق، وبقطار سريع مستقبلا. وتعمل الحكومة السنغالية على نقل العديد من دوائرها الى تلك المدينة، بعيدا عن منطقة وسط المدينة المختنقة وسط الزحام.
هناك كلام حول نشر الريكاشة الهندية في ديامنياديو قريبا، حيث يمكنها نقل الموظفين المدنيين وغيرهم من الركاب حول مركز الحكومة الجديد، بحسب امادو نودي، نائب رئيس البعثة الدبلوماسية السنغالية في الهند، الذي لم يتردد في نفي وجود عربات الأحصنة في مدينة المستقبل الحكومية، قائلا: "لا سبيل لذلك، فالمدينة ستكون حضرية بكل معنى الكلمة".