المرأة العراقية.. أيقونة ساحة التحرير

العراق 2019/11/03
...

بغداد / هدى العزاوي  تصوير: علي الغرباوي / محمد احسان  
 
بإمكانِ من يزور ساحة التحرير أنْ يلتقطَ الكثير من الصور التي توشّح ذلك المكان، أبرزها المشاركات النسوية المتنوعة، فقد أخذت المرأة العراقية دور المتظاهرة والمساندة ولم تبتعد عن ميولها الفطرية بأن تكون ربة بيت تحتوي أبناءها وتوفر لهم المأكل والمشرب وغيرها من المستلزمات التي توفرها كل أم عراقية لأبنائها، فببساطة شديدة تجد امرأة كبيرة في السن تفترش الارض مع قدر (الشوربة) وتنادي على المتظاهرين بصوتها الذي يملأ المكان وبمفرداتها العامية (تريگ شوربة وليدي)، وبعفوية كبيرة تبتسم وتقول "كل هذا بخير ولدنا".
وعلى مقربة منها تقف "أم علي" التي تردد بين الحين والآخر (الله يحفظهم) والتي أخذت على عاتقها تقديم الشاي العراقي المهيل للمتظاهرين وبجهود ذاتية، وتقول "أم علي" التي فقدت أحد ابنائها نتيجة الاعتداءات الإرهابية التي طالت البلاد: إنها "ستقف على الحياد بين المتظاهرين والقوات الأمنية لما أثبتته علاقتهم ببعض من روح تلاحم وألفة يريد البعض تشويهها".
وعلى الرغم من أن ساحة التحرير تزدحم بالمشاركات النسوية؛ إلا أنك لا يمكن أن تغفل عن المرأة التي ترفع فوق هامتها علبة كبيرة من التمر لتوزعها بين المتظاهرين، كما لا يمكن أن تغفل عن ملامح "المرأة السومرية" التي تجدها حاضرة في ملامح وجه "أم يوسف" التي أخذت على عاتقها صناعة مادة من الماء والخميرة لمعالجة المتظاهرين الذين تأثروا بالغاز المسيل للدموع، وتقول المرأة السبعينية بصوت مليء بالفخر: إن "العالم سيشهد أن المرأة العراقية هي من تصنع المعجزات، وأن لها دوراً في ساحة التحرير لا مثيل له في أمكنة أخرى من العالم، وإنها تقف الى جانب الرجل 
لمساندته". وبعد أن قطعت حديثها للإجابة عن سؤال أحد المتظاهرين، أعادت تركيب حروف كلماتها الشعبية لتردد بأنها "المرأة الوحيدة التي استطاعت أن تجد في تراكيب علومها البسيطة مادة للقضاء على آثار ما يسمى بالقنابل المسيلة للدموع". 
وتضيف "أم يوسف" كما تكنى بين الخيام المشيدة في حديقة الامة أنها "منذ أحد عشر يوماً وهي تتوغل بين المتظاهرين لتقديم
 المساعدة لهم، 
 
أدوار كثيرة
للنساء في ساحة التحرير أدوار كثيرة تنوعت بين التظاهر وإعداد الطعام للمتظاهرين وكذلك الإسهام بأعمال التنظيف والقيام بمعالجة وإسعاف الجرحى وتوفير العلاجات الأولية وفي "خيمة العراقية" التقينا سكرتير رابطة المرأة العراقية شميران مروكل التي أشادت بدور المرأة المميز في هذه التظاهرات وكيف اثبتت للعالم أجمع أنها "نصف المجتمع ولها مطالب وطنية تسعى لتحقيقها". وأضافت أنه "بهذا الدعم اللوجستي الذي تقدمه المرأة وبمختلف مستوياته لمساندة الرجل في هذه التظاهرات؛ استطاعت الكشف عن الصورة المشرقة للمرأة العراقية التي لعبت دوراً فعالاً ويحسب لها من حيث التحرر والاصرار في المطالبة بحياة كريمة ومنصفة وعدم الاستخفاف بطاقاتها 
وبقدراتها".
 
هاشتاكات نسوية
تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي الكثير من الصور المعبرة عن مشاركة المرأة في التظاهرات، ولم يكتف مرتادو "فيسبوك" بذلك فقد ردد البعض أهازيج تتعلق بالغيرة والبطولة التي تحملها المرأة العراقية وهي "المرأة الحديدية" التي لا تنكسر على الرغم من الظروف التي تحيط بها، كما نعتها آخرون بأنها "الدرع" الملازم لكل رجل خرج للتظاهر، وقد اطلق مدونو "فيسبوك" هاشتاكات (المرأة صوت التغيير، ساندي من موقعك، ايقونة وطن) وغيرها من الهاشتاكات الداعمة لدور المرأة، بينما امتعض البعض من ترديد أهزوجة (الما يطلع يتظاهر شيلة مرته تلوگ عليه) لأن فيها انتقاصاً من مكانة المرأة العراقية التي أثبتت تواجدها بشكل قوي في هذه التظاهرات.
 
مشاركات ميدانية
رصدت "الصباح" في جولتها الميدانية بساحة التحرير الكثير من الشابات اليافعات وهن يحملن أدوات التنظيف لإزالة كل ما خلفته التظاهرات من مخلفات، في وقت تتراكض أخريات لإسعاف المصابين.
تقول الممرضة "إخلاص عبد الأمير" التي تجلس على أهبة الاستعداد لإسعاف المصابين بالقرب من جسر الجمهورية: إن "الواجب الانساني والمهني يحتم عليها مساندة إخوانها من المتظاهرين والقوات الأمنية"، وعلى الرغم من المناظر التي التقطتها شريحة ذاكرتها الممتلئة بالمشاهد المرعبة؛ إلا أن "إخلاص" تؤكد عزمها وعزم الملاكات الطبية على "إنقاذ الأرواح وبذل جهود إضافية لإنقاذهم". بينما تقف إحدى المتطوعات بالقرب من الخيمة التي كتب عليها "مفارز طبية" لمساعدة الاطباء على توفير العلاج والمستلزمات الخاصة بالطبابة، وتقول الطالبة "آية": إنها "تساعد المفارز الطبية من منطلق وطني وإنساني، فالوطن بحاجة الى كل يد لا تدنس سلمية هذه التظاهرات"، مطالبة المتظاهرين بـ"الابتعاد عن كل ما يسبب أذى لهم وللقوات الأمنية"."حمدية" التي تعمل في وزارة الصحة، لم يمنعها عملها صباحاً من الالتحاق بكوكبة النساء المشاركات في ساحة التحرير فقد افترشت وغيرها من النساء الأرض بكل أنواع العلاجات الطبية التي يمكن أن تنقذ أرواح المواطنين وبمختلف ميولهم وتوجهاتهم السياسية. وبالقرب من المطعم التركي؛ تسمع صوت "حنان هادي" وهي تهتف بمختلف الهتافات الوطنية لمساندة المتظاهرين، وتطالبهم بالابتعاد عن الاحتكاك بالقوات الأمنية حفاظاً على سلمية التظاهرات. تجد في ساحات التظاهر والاعتصام العراقية كرماً نقياً لنساء يفترشن الأرصفة ويخبزن ويقدمن أصنافاً من الأطعمة، وهناك من يتبرعن بإيصال النساء المصابات وحملهن الى المفارز الطبية لتلقي العلاج، وغيرها من المشاهد التي تعجز الكلمات عن وصف ما تمتعت به المرأة العراقية من كرم وجود قل نظيره.