المرأة في ساحة التحرير
اسرة ومجتمع
2019/11/05
+A
-A
بغداد/ شذى الجنابي
تنوّعت المشاركة النسويّة بالتظاهرات بتقديم مختلف الخدمات الى جانب المطالبة بحقوقهن المشروعة، فقد برز عدد كبير من المتطوعات في ساحة التحرير، فمنهن من ساعد في إسعاف الجرحى وتضميد المصابين، وأخريات قمن بتحضير الطعام للمتظاهرين، والبعض الآخر أسهمن بتنظيف الشارع وجمع القمامة، وهناك من اجتهدن بصبغ الارصفة وغيرها من الفعاليات التي لاقت تقديرا واحتراما من قبل المجتمع.
شعب متحضر
خلال جولتنا في ساحة التحرير رأينا فتيات بعمر الزهور أمام خيمة نصبت على احد الارصفة يحملن الاسعافات الأولية لتقديمها للمصابين بقنابل الغاز مسيل الدموع، وكن حاضرات بشكل يومي ليلا ونهارا منهن الطالبات في المرحلة السادسة في كلية الطب - جامعة النهرين يرتدين الصدرية البيضاء متطوعات يحملن الادوية، والمحلول المتعادل الملحي لغسل العيون، والقطرات، ومعقمات الجروح، واخريات يتجولن بين المتظاهرين لتوزيع الكمامات لحمايتهم من روائح الغازات المنبثقة من القنابل، فقد اكدت الدكتورة (سؤدد بابان) على توفير المواد الطبية من خلال جمع التبرعات من الطلبة والاساتذة لمعالجة الجرحى وتضميدهم بعناية فائقة قلما نجدها في المستشفيات. واوضحت هناك تنظيم بدخول سيارة الإسعاف أو التوك توك لإنقاذ المصابين بشكل سريع بين الحشود البشرية الكبيرة .
بينما شاركت الطالبة سهى فاضل محنه / في المرحلة الثالثة - كلية التمريض برأيها قائلة: وجودي هنا من أجل مستقبل شبابنا، فقد تعب جيلنا نفسيا، ولكن لا بأس طالما اصرارنا جاء من اجل التغيير سيتحقق حلمنا ان شاء الله، مضيفة وجود المرأة في المظاهرات مثل فارقا مهما وأعطى دافعا للاخوة المحتجين، فقد شاركت متطوعة بتقديم المساعدات الطبية والاسعافات الاولية، لكنني شعرت بالحزن كثيرا عندما اصيبت زميلتي بالغاز المسيل للدموع خلال وجودها بالقرب من جسر الجمهورية ونقلت على اثرها للمستشفى.
فيما شعرت زميلتها (ضحى سامي العبيدي): بالفرح من وجود مئات النساء بين المتظاهرين من مختلف الاعمار والطبقات الثقافية، سواء ممن شاركن بالتبرعات أو دعمن المتظاهرين على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد جعلت الرجل يدرك أنّها موجودة حيث لم يعد هناك فرق بين متظاهر ومتظاهرة، مضيفة لقد أسهمت مع زميلاتي بالاعمال الخدمية بشكل يومي لنبيّن للعالم أنّنا شعب متحضر.
دعم الشباب
رأينا حضورا متميزا لعدد من طالبات كلية التربية للبنات – جامعة بغداد يقمن بتنظيف ساحة الاحتجاج وجمع القمامة في اكياس خاصة للنفايات وهن يهتفن بشعارات وطنية، اذ بيّنت (ولدان مجيد) نحن نعمل منذ الساعات الاولى من الصباح الباكر وحتى المساء، فقد تبرعت بمبلغ كنت قد وفرته من خلال مصروفي اليومي دعما للشباب لتوفير ما يحتاجونه من متطلبات ومستلزمات علاجية ومواد اخرى.
ناشطات مدنيات نصبن خيمة للمساعدات الأولية بمشاركة عدد من المنظمات تبرعن بادارة هذه الخيمة وتوفير قناني المياه، والمواد الغذائية، والاغطية، وتجهيز علب البيبسي كولا لاستخدامها لاي طارئ يتعرض اليه المتظاهرون كالغاز المسيل للدموع واسعافهم بشكل سريع لحين نقلهم الى المستشفى، تقول الناشطة النسوية (رجاء عبد الحكيم) رئيسة منظمة الرحمة لحقوق الانسان: جاءتنا تبرعات كثيرة بعد نشرها في مواقع التواصل الاجتماعي واستجابت لنا العديد من المؤسسات، والاشخاص الميسورون لتوفير كل ما نحتاجه، وبعدها تحولت الخيمة إلى عدد من الخيم خصصت لراحة المتظاهرين، واوضحت عزمنا على شراء ثلاثة مكائن لغسيل ملابس المتظاهرين لحرصنا على اولادنا المحتجين، فضلا عن توفير ماكنة خياطة تعمل عليها احدى السيدات لخياطة وترقيع الملابس الممزّقة للشباب جراء تحركهم المستمر وحماسهم
الوطني.
من جهتها اكدت الناشطة (انتصار مبارك) ان اغلب النساء يعملن دون توقف دعما لهم، إذ شكلن عصب الحراك بشكل حقيقي، فالنساء العراقيات لم يشاركن في الثورات فقط وانما صرن قياديات وأصبحن رمزا لهذه الثورات الشعبية، وتصف خروج النساء في هذه المواقف يمثل تحديا كبيرا.
بناء المستقبل
وقفت بين المتظاهرين المهندسة (وسن عبد العال) حاملة لافتة كتبت عليها (أريد حقي) تقول: لم اجد فرصة للتعيين منذ اربعة سنوات فقد اصابني اليأس وفقدت الامل في تحقيق طموحي وبناء مستقبلي، وعندما نشرت صورتي وأنا أرفع اللافتة وردتني رسائل كثيرة من زميلاتي يطالبن بالمشاركة في التظاهرات، لكنهن متخوّفات، وكانت أسئلتهن: هل نستطيع التعبير عن آرائنا للمطالبة بحقوقنا؟ وأكدت بأنّ النساء لديهن قضية كبيرة، والروح المعنوية كانت عالية جدا وهذا مبعث فرح كبير لهن، فقد عززت المرأة موقعها من خلال تقديم الدعم المادي
والمعنوي.
تقديم الأطعمة
اجتمعن العشرات من النساء المتفاوتات بالاعمار وهن يرتدين العباءة السوداء، حضرن من مناطق مختلفة من بغداد، يفترشن الرصيف في احدى الشوارع الفرعية المؤدية الى ساحة التحرير، يلوحن بالعلم العراقي ويحضرن الطعام بشكل يومي ميدانيا وفي المنازل وتوزيعه بين المئات من المتظاهرين.
(شذى باسم محمد) ام مصطفى - البالغة من العمر 48 عاما - لديها خمسة ابناء، احدهم شهيد، وزوجها معاق وعاطل عن العمل، تسكن في بيت تجاوز في حي الحسينية بالراشدية، اذ تقول، قررت ان أسهم بجزء بسيط من الطعام الى المتظاهرين، وطرحت الفكرة على النساء القريبات من محل سكني، واخريات في منطقة ابودشير فرحن كثيرا بهذه المشاركة، واخذت كل واحدة منهن تطبخ نوعا من الاطعمة الجاهزة في المنزل، ويكون حضورنا في الساعة السادسة صباحا لتوزيع الفطور على المتظاهرين،
ونقوم بعدها بتجهيز وجبة الغداء في الشارع، ثم العشاء بالتعاون مع بعضنا البعض، علما بأنّ ولدي سائق التك تك يعمل في ميدان المتظاهرين لنقل الجرحى، وقد اصيب مرتين بيده بالقنابل المسيلة للدموع وأصر أن يبقى مع اخوته الشباب لتقديم المساعدة.
اما (شيماء جاسم حافظ) ربّة بيت – ارملة – ولديها طفلان تسكن مع اخيها العاطل عن العمل في بيت تجاوز بمنطقة ابو دشير لا تملك راتبا ولا مسكنا؛ تقول: شاركت المرأة مع اخيها الرجل بتوفير المستلزمات الضرورية لهم، وجمع قناني المياه من الشوارع في اكياس القمامة، وهذا عمل نفتخر به ونثبت باننا عائلة واحدة لا فرق بين الطوائف والقوميات ومتعاونين للحد من الحيف والظلم والفقر الذي نعاني
منه.
المواكب الحسينيَّة
في ساحة التحرير التي تعد مركزا أساسيا لانطلاق التظاهرات، شاهدنا المواكب الحسينية التي نصبت خيامها لتجهيز الطعام واستراحة المتظاهرين، وقد مثلت المرأة الوجه الايجابي فيها وهي تقف جنبا مع اخيها الرجل في المواقف الصعبة، إذ اكدت الحاجة (أم كرار) 66 عاما – من منطقة الدورة: نحن نشكل عائلة كبيرة متكاملة نتقاسم المسؤوليات فيما بيننا، انا شخصيا أصنع رغيف الخبز والمعجنات بشكل يومي بالتعاون مع ابنتي وزوجة ابني وشقيقتي، وجيراني، وهناك متطوعات يجهزن الشاي والقهوة، والجميع يشعرون بأنّ وطنهم هو بيتهم الكبير.